ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة التاسعة عشر والأخيرة

فكرت سارة:
آه يا خالتى أم عمر، عايزة تحدفي كرسي في الكلوب؟ ماشى .. وانت يا عمورتي حبيب ماما عمرك ما حاتتكلم طبعا .. ولو اتكلمت حاتدافع عن منطق مامتك .. الحمد لله انى علمت حسابى على اللحظه دي ..
واخذت سارة نفسا عميقا ثم قالت بهدوء: لا يا طنط، ما عاش ولا كان اللي يقول على حضرتك شغالة .. ده حضرتك تقعدي واحنا كلنا خدامينك .. انا اصلا من الحاجات اللي خلتني افرح اكتر بالمدرسه دي ان فيها "داي كير" لابناء المدرسات، و اللي عندها طفل لسه تحت التلات سنوات ممكن تسيبه فيها مجانا .. عشان كده عملت حسابي قلت لو حضرتك مضايقه من مريم اخدها معايا الصبح وانا نازله .. وبين الحصص ممكن اروح اشوفها .. وتكون برضه تحت عيني.
احس عمر ان سارة انتشلته من بئر بلا قرار و قال بمرح: طيب الحمد لله يا ماما اهوه، وحضرتك تقضي وقتك في قراءة القرأن او تعملي اللي بتحبيه .. بس عشان خاطري ما تسافريش وتسيبيني، و الله ده سارة بتحبك زي مادينا وداليا بيحبوكي واكتر .. غير ان بيوت اخواتي مهما كانت بيوت رجاله أغراب، لكن ده بيتك ومكانك ..

و كأن سارة قد اطفات النار قبل اندلاعها .. صمتت والدة عمر و لم تعقب بكلمه واحدة ..

و في الايام التالية قررت سارة ان تدرب نفسها على عمل اطعمة اليوم التالي ووضعها في الفريزر، وعلى الاستيقاظ مبكرا وتنظيف المنزل والاطفال نيام قبل ميعاد المدرسه .. وكلما امعنت في الاهتمام بالمنزل و الطعام، تجد حماتها اصابتها الغيره وحاولت مساعدتها، ومد يد العون لها، بالرغم من عدم طلب سارة لاي مساعده و لو صغيره منها
و كانت قد بدات التدريب في المدرسه بالفعل، حيث وفرت تلك المدرسة دورة تدريبية للمدرسات الجدد، قبل بداية العام الدراسي، واحست سارة انها اختصرت خطوات كثيره، وتعلمت اشياء لم تكن تحلم بها خلال تلك الدورة

ثم فوجئت سارة بمعاملة حماتها تلين معها و تتحسن تحسنا كبيرا، اذ بعد ان انتفت عن سارة شبهة استغلال حماتها اصبحت ام عمر تسعى بنفسها لمساعده سارة والاخذ بيدها .. وقالت لها بعد ان لمست تعبها البالغ كل يوم في العمل واخذها الطفلين معها الى الـ"داي كير" لان الدراسه الفعليه كانت لم تبدأ بعد: بصي يا سارة با بنتي، انت بتتعبى اوي كل يوم فى المدرسه وانا رأييي تبقى تسيبي مريم معايا .. اهي تسليني .. ده انا مش بلاقى حاجه اعملها الصبح، و بتوحشني اوي .. كمان الطبيخ مش لازم تشيلي همه كله لوحدك، انا طول عمرى احب المطبخ ومش باتعب من عمايل الاكل ابدا .. يعنى مثلا سيبيلي المحشي انا الفه وانا قاعده قدام التلفزيون .. اقطع الخضار .. كده يعني الحاجات دي.
قامت سارة و احتضنتها بحب قائلة: ربنا يخليى لينا يا ماما، انا و الله حاعمل اللي ربنا يقدرني عليه عشان ما تتعبيش نفسك .. بس تصدقي انا اكتشفت حاجه في الايام اللي فاتت دي، اكتشفت ان النشاط بيجيب نشاط، والكسل بيجيب كسل .. لما كنت قاعده فى البيت ما كنتش متخيله انى هارجع تاني اصحى بدري و اروح شغل .. لكن لما حصل فعلا، لقيت نفسي عادي، مش تعبانه، بالعكس، بحس اني نشيطه .. وسعيده إني اخر اليوم بكون انجزت حاجه، بدل النوم لحد متاخر والكسل اللي مالوش فايده ده.
ام عمر: على ايامنا ما كانش مسموح لنا بالشغل، حتى الست اللي تشتغل دي بتكون عيبه في حق جوزها .. رغم اني معايا ليسانس، لكن ابو عمر الله يرحمه عمره ما سمحلى اشتغل .. بس دينا وداليا بناتي الاتنين بيشتغلوا والله و بيقولوا زيك كده النشاط بيجيب نشاط.

اما عمر فكان يرقبها، سعيدا بكل ما تحققه، سعادته بانجازاته الشخصيه، انه في بعض الاحيان يحس انها طفلته، رغم ان فارق السن ليس كبيرا بينهما، الا انه يشعر ان اجزاء كبيره من شخصية و كيان سارة تكون على يديه .. كما تكونت ايضا اجزاء من كيانه على يديها .. واصبحت الحياه بينهما اكثر استقرارا و نعومه، وهذا لا يحدث الا للقليل من الازواج الذين يسبغ الله عليهم من ضمن نعمه الكثيره .. نعمة التفاهم والتعاون على اسعاد بعضهما البعض .. فكم من بيوت غلفت ابوابها، و ظاهرها السعادة، لكن نقص التفاهم والحب، يجعلان من المال والبنين و كل مظاهر الحياه السعيدة مجرد مظاهر جوفاء، لا تحوى داخلها سكناً ولا مودة ولا رحمه، بالرغم من كونها الهدف الاساسى من الزواج.

و قبل بدء الدراسه بايام دخل عمر المنزل عصراً، ليجد مريم تجرى عليه بالمشايه، وواضح على شعرها المبتل انها خرجت لتوها من الحمام .. ويحيى لا زال يرتدي ملابسه بعد ان انتهى من حمامه، ثم خرجت سارة لاستقباله قائله: ازيك يا حبيبي؟ احضر الغدا؟
عمر: اغير هدومي و اصلي، لحد ما تحضريه براحتك ..

ثم دخل غرفته ليغير ملابسه .. و بعد فروغه من صلاته، فوجىء بيحيى يقف و يطرق بابا غرفته ..
يحيى: ممكن ادخل يا بابا؟
عمر: اتفضل يا حبيبي .. ما دخلتش ليه من بدري؟
يحيى: ماما قالت لازم أخبط اول بعدين ادخل الاوضه.
عمر: ماما دي جميلة ..
يحيى: اه ماما جميلة .. انا باحبها اوي. عارف يا بابا، ماما قالت خلاص حاروح المدرسه الحقيقيه يوم الاحد الجاي.
عمر: ان شاء الله ..
يحيى باصرار طفولي: لا والله حاروح ماما قالت ..
عمر: بس لازم برضه نقول ان شاء الله، عشان ربنا لو مش عايزك تروح ممكن اى حاجه تحصل و ما تروحش .. حاجه بسيطه اوي، مثلا المنبه ما يضربش، الباص ما يجيش، كلمة ان شاء الله وباذن الله دي لازم تقولها يا يحيى عشان ربنا يحبك ويعرف انك مستني اذنه .. مش انت استاذنت وانت على الباب، مع انك عارف انى حادخلك؟؟
رد يحيى وقد بدا انه فهم: خلاص يا بابا ان شاء الله اروح المدرسة يوم الاحد، صح كده؟
قبله عمر و هو يدعو له ان يكون من الهادين المهتدين بامر الله ..

و جاءت مريم و دخلت مثل الطلقة على مشايتها و هى تبتسم ابتسامه عذبه، و تمد ذراعيها الصغيرين لاباها كي يحملها، مما جعل قلب عمر يذوب حنانا ليحملها عاليا و يقبلها ..
يحيى: بابا، مريم مش استاذنت ولا خبطت ..
عمر: هى لسه صغيره يا حبيبي .. لما تكبر زيك تتعلم منك عشان انت شاطر .. يعنى انا مش حاقول كل الكلام ده تاني، هي حاتشوف يحيى جميل وبيعمل حاجات جميلة تروح عامله زيه على طول ..

الى هنا و نادت سارة على يحيى ليبلغ اباه ان الغداء جاهز ..
جاء يحيى مره اخرى و قال: بابا، ان شاء الله الغدا جاهز ع السفره ..
ضحك عمر من قلبه و هو يجد يحيى يطبق تعليماته بحذافيرها ..
كما انه انتشى بتحسن العلاقه بين امه و بين سارة بعد ان كانت تنذر بهبوب عواصف، وحمد الله كثيرا على هذه الزوجة الصالحة ..
انه منذ بدأت العمل لم يلمح تقصيراً لا في المنزل ولا في الاولاد .. بل بالعكس اصبح للاولاد مواعيد ثابته للنوم والاستيقاظ بعد ان كانوا يسهرون للفجر وينامون للضحى .. حتى ميعاد حمامهم اليومى اصبح منضبطاً كالساعة ..

و جاء اليوم المرتقب، و كان عمر قد استعد لذلك اليوم باحضار كاميرا فيديو من احد اصدقائه، ليسجل لحظات دخول يحيى المدرسه للمره الاولى .. لم يكن يحيى هائبا للموقف لكونه جرب الذهاب مع امه للـ"داي كير" الخاص بالمدرسه قبل ذلك .. لكنه كان لاول مره يرتدي الـ"يونيفورم"، ويحمل الحقيبه التي امتلات بادوات سبايدر مان .. مقلمه و استيكه و برايه .. كانت عينا عمر نفسه تلمع بفرحه طفوليه كلما رأى سعادة ابنه بهذه الاشياء .. و يعود و يتذكر ايام كان طفلا، وكانت هذه الاشياء الصغيره تتسبب في سعادته القصوى، و تامل في حال الدنيا، و كيف انه كلما كبر الانسان، ذابت المتع الصغيرة، وراحت الدهشة و البراءة الجميلة .. حتى الاشياء الكبيرة لا تسعده نفس تلك السعادة الصافية التي نعم بها ايام كان طفلاً غريراً مطمئناً للدنيا في كنف ابويه ..
فى اول يوم ليحيى فى المدرسه احس عمر ان فصلا جديدا من حياته الزوجيه على وشك ان يبدأ، لذلك اصر على تصوير بداية هذا الفصل، لتبقى ليحيى دليلا على جمال الذكريات و براءتها .. و اصرت ام عمر في ذلك اليوم على الا تذهب مريم مع والدتها .. كى يتفرغ كل من عمر و سارة ليحيى و للاهتمام به ..
و فى المدرسه، كان المنظر يستحق التصوير .. عشرات الاطفال فى سن يحيى يخطون اولى خطواتهم في الحياة العريضة، وحدهم، و لاول مرة، دون الاعتماد على اهلهم .. كان عمر ينظر بعينيه لكن يرى بقلبه، يرى هؤلاء الاطفال، وقد اصبحوا شابات و شبان كبار .. يبدأون وضع لبنه جديده في مجمتع واعد، دعا الله ان تكون ايامهم خيراً من ايام اباءهم و اسعد ..
وانطلقت المدرسات في همة، تنظمن الصفوف وترشدن كل وليّ امر الى مكان طابور ابنه، ومكان فصله ايضا .. فقد كان مسموحاً في اليوم الاول لاولياء الامور بالتواجد مع اطفالهم حتى يألفوا المكان ..
و انطلق بعض التلاميذ يضحك ويمرح، واصاب بعضهم الاخر الذهول، وقليل منهم انخرط فى البكاء متشبثاً بوالديه ..
و عندما تجول عمر في المدرسه، احس ان تعبه وتعب سارة لن يضيع هباءاً باذن الله .. ليس فقط من جمال الافنيه ونظافة الفصول، بل من الاهتمام المرتسم على وجه كل مدرّسة، و هي تحس ان مهمتها في "كي جي وان"، لا تقل، بل من الممكن ان تزيد اهميه عن مهمة دكتور الجامعه .. و هى بالفعل لا تقل .. بل تزيد.!
لان كيان الطفل و مستقبله، يتم تشكيله في سنى عمره الاولى، التي يكون فيها عقله مثل فيلم الكاميرا، قابلا للالتقاط والتخزين باقصى سرعه ممكنه ..
اللهم اهد ابناءنا و انشئهم على الايمان ..
و ابتسمت سارة و هى تراقب فرحة عمر بيحيى .. وهي ترى ثمرة قلبها يقف فى الصف .. و يحيي العلم .. ويردد: تحيا جمهورية مصر العربية.

ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة الثامنة عشرة

بدات سارة الشرح بصوت مرتعش، لم تكن تدري ان الموضوع ممكن ان يكون صعبا و محرجا بهذه الطريقة، فخرج صوتها ضعيفا في البداية، ثم ما لبثت ان لمحت استحسانا في اعينهم فرفعت صوتها قليلا وقررت ان تنسى وجودهم وتندمج في الشرح بكل كيانها .. واستخدمت اللوحة الوبرية والوسائل التي معها، وبينما هي مندمجة تماما، اذا بصوت احد المدرسات الجالسات تسالها: انتي فاكرة نفسك حاتقدري كل حصة تعملي كده في الحقيقة؟ يعني في الحصص العادية؟
فردت سارة بادب: وليه لا، اللي اعرفه ان الطفل لما يشوف الحاجة قصادة بتدخل دماغة اكتر من مجرد اني اقول اسمها بس ..
المدرسه: بس انتي حاتكوني ملخومة في الكراسات والتصحيح ودفتر الدرجات وعدد العيال في الفصل اللي بيوصل اربعين .. هل شايفه ان اللي بتعملية ده حاجة براكتكال (عملية ) في مصر؟
سارة: ايه الفرق بين مصر وغير مصر، فصل وتلامذة ووقت الحصة هوه هوه في اي مكان، وعلى العموم انا هاحاول، وربنا يوفق ان شاء الله ..
اكملت سارة الشرح و قد اغاظتها هذة السيدة ..
ثم اندفع وكيل المدرسة: يا مس سارة انتي صوتك واطي اوي، احنا سامعين عشان ساكتين، لكن في الفصل لازم تعلي صوتك على صوت الولاد عشان يقتنعوا باللي بتقوليه ..
ردت سارة وقد بدات تتضايق من المقاطعة: ماهو المفروض يا فندم يكونوا في الفصل ساكتين برضة، عشان اقدر اشتغل، وعلو الصوت عمرة ما كان وسيلة اقناع، و بعدين لو هما علوا صوتهم و انا عليت عليهم و كدة، حايبقى مولد مش فصل، وعموما زي ما حضرتك قلت انا باتكلم على قد اللي قاعدين خمسة افراد لكن في الفصل اكيد في كلام تاني .. واكملت سارة شرحها .. فانبرت مدرسةاخرى بعد قليل: حضرتك مديانا ظهرك وباصة للبورد، ودي مش طريقة، افرضي عيل مشي وساب الفصل دلوقتي، حاتحسي ازاي بيه؟ لازم تحاولي تبصي للولاد وتكتبي و انتي مدياهم وشك ..
سارة بنفاذ صبر: حاضر ان شاء الله احاو..
ثم سالت عن اذا ماكان تم توصيل اللاب توب الخاص بها بشاشة العرض ..
فاجابتها المديرة: لا مفيش داعي للكومبيوتر، انتي مش حاتستخدمية اساسا، احنا ما عندناش غير شاشة واحدة للمؤتمرات والضيوف بتوع المدرسة مش للطلبه، واحنا اكتفينا من حضرتك كدة يا مدام سارة وحانتصل بيكي ..
شكرتهم سارة بصوت مرتعش، وهي تحس بهزيمه داخلية بشعة، لم تكن تتوقع كل هذا المناخ العدائي لمجرد انها ارادت التجديد، ولم تذكر ملف يحيى ولا التحاقة بهذه المدرسة، اذ كان يكفي ان ترى اداريي ومدرسي هذة المدرسة لتحكم على مستواها التعليمي، وقالت لنفسها: انت حاتزة على نفسك ليه؟ دي مدرسة اي كلام، ده حتى كان مرتبها تلتمية جنية، مايجيش تمن المواصلات، الحمد لله على كل حال ..
حملت سارة حقيبتها حزينة وكانت تهم بالذهاب لمنزلها، لكن راودها خاطر مفاجىء، قررت الذهاب للمدرسة الاولى التي كانت قد قبلت يحيى، وسالتهم عن حاجتهم لمدرسات للمرحله الابتدائية فاجابت الموظفة انه الان يتم اختبار عدد منهن في القاعة المخصصة لذلك الغرض ..
لم تكن سارة قد قابلت مديرة المدرسة، لكنها حين راتها قابلتها بابتسامة وكلمتها بمنتهى اللطف وطلبت منها ان تملا طلب التحاق .. ملات سارة الطلب و وجدت فية اسئلة لم ترها من قبل فى اختبار المدرسةالسابقة، كان السؤال المحورى:
Why do you want to teach ?and what's your highest ambition?
وكانت اجابة سارة :
I would love to teach because teaching touches hearts، opens minds، and the look of appreciation and merit in my students eyes means the world for me .
My highest ambition is to become a facilitator and to make the process of learning as interesting as possible.
و طبعا كان مطلوب معرفة سنين الخبرة، فاجابت سارة انها تود ويشرفها ان تكتسب خبرتها من هذا المنشأ العريق ..
اعجبت المديرة بردود سارة على الاسئلة وطلبت اجراء مقابله لها وعرض درس لو كانت مستعدة، وردت سارة انها على اتم الاستعداد ..
وعلى عكس المدرسة السابقة، وجدت سارة المناخ مبشراً في هذا المكان، ولاحظت نظرات اعجاب من الجميع بما فيهم طاقم التدريس الموجود، واخذت بعضهن يدونن الملاحظات، وتضاعف الاعجاب حين قامت بعرض الكومبيوتر الخاص بها، والمحت الى ان طفل اليوم يقضي معظم وقتة امام الوسائل المسموعة المرئية سواء للتسلية او الثقافة، فلا يجب ان يكون اسلوب تعليمة جافا وعقيما بل يجب ان يرقى الى اساليب تسليتة وتثقيفه.
لم يبد اي من الجالسين ملاحظة واحدة طوال شرح سارة، وعندما انهت كلامها، قامت المديره بالتصفيق لها، مما حدا بجميع الجالسين الى التصفيق اعجابا بما بذلته من جهد ..
وقالت المديرة: مبروك يا سارة، انت ان شاء الله معانا خلاص، و ممكن نمضي العقد دلوقتي ..
فوجئت سارة و اندهشت من سرعة قبولهم لها وترددت قليلا لكونها لم تبلغ عمر بعد، ثم حسمت امرها وتوكلت على الله، وخاصة بعد ما ابلغتها المديره ان راتبها سيكون حوالي سبعمائة جنية اي ضعف المدرسة الاولى ..
دخلت سارة للموظفة المسئولة عن الحسابات قبل ان توقع العقد و سالتها على استحياء ..
سارة: لو لي اطفال عايزة ادخلهم المدرسة، ممكن اعرف ليهم خصم ولا ما لهمش؟
الموظفة: طبعا ليهم خصم، بس لازم يخوضوا الاختبارات زيهم زي غيرهم الاول ..
سارة: هو يحيى ابني عمل كل الاختبارات فعلا وقبل فى المدرسة، وملفه موجود عندكم بس احب اعرف نسبة الخصم ..
الموظفة: بصي يا ستي، مصاريف التسجيل حاتكون الفين جنية بدل خمسة وممكن تقسطيهم من مرتبك لو حبيتي، اما المصاريف عليها خصم اربعين فى المية، يعني حاتكون حوالي تلات الاف وستميت جنية، وانتي كمدرسة من حقك باص المدرسة يعدي ياخدك صباحا لو حبيتي، ويروحك كمان .. حست سارة ساعتها باحساس ابو تريكة لما بيجيب جون، ولولا ان الغرفة كان بها رجالا، لسجدت على ارض الملعب في لحظتها..
خرجت من المدرسة الرائعة وهي في غاية السعادة، و عيناها لاتكفان عن الدمع من شدة سعادتها، و قررت ان تذهب لمنزلها مشيا من شدة سعادتها وقالت تحدث نفسها:
يا رب لو حبيت اعد نعمك عليّ لا احصيها، كان كل املي في المدرسة التعبانة الاولانية، وفقتني للاحسن منها ميت مرة، وبمرتب اكتر، وفوق كدة وكدة، حبة قلبي يحيى حايخش المدرسة اللي اتمنيتها، قد اية يارب انت عالم بحالي وغني عن سؤالي .. الحمد لله اني اطعتك يا عمر و ما زعقتش ولا ركبت راسي، كان زماني جنيت على ابني وعلى نفسي، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقة من حيث لا يحتسب..
وبينما سارة في تاملاتها و دعاءها، وجدت محل صائغ قريب، و بدون تردد، دخلت و باعت اسورة من اساورها الذهبية، و اخذت مبلغا محترما، و خرجت من عند الصائغ الى مركز طبي ملاصق له، فوجدت سيدة عجوز فقيرة و معها ابنتها على موعد مع الطبيب، و طفل مريض على كتف امه، و بنت صغيرة موضوعة على جهاز غسل الكلى .. قامت بكل ما قدرها الله عليه، و لم يتبق معها الا ثمن بعض الحلوى و تورتة صغيرة اشترتها في طريق عودتها للمنزل .. وفور وصولها، فوجئت بمريم تجري لاستقبالها بالمشاية وحماتها تجري مسرعة ملهوفة، انتي كنتي فين يا سارة يا بنتي، احنا اتخضينا عليكي، ما بترديش على تليفونك لية؟
حملت سارة ابتنها وقبلتها وهي تعتذر لحماتها و تذكرت انها في غمار احداث اليوم نسيت ان تفتح الجرس الخاص بمحمولها بعد انتهاء المقابلة الاولى، لذلك وجدت حوالي عشرين مكالمة من عمر فاسرعت تتصل به ..
سارة: حبيبي عمر، ابو عيالي، مهما قلت لك مش حاتصدق ..
عمر: ايه يا سارة اللي حصل؟ انا قلقت عليكي موت..
سارة: مش حاينفع الا لما تيجي انا مستنياك ..
وعندما عاد عمر كانت سارة قد غيرت ملابسها و حضرت المائده مع حماتها واعطت كل من مريم و يحيى حماما .. دخل عمر فتعلقت سارة برقبتة مسابقة ابنتها في ذلك، ثم اطلقت سراحة ليبدا دور مريم ويحيى، ثم حكت ما حدث اثناء يومها على مائدة الغداء ..
عمر: بس انتي ما قلتليش يا سارة انك رايحة المدرسة التانية دي.
سارة: معلش يا عمر والله انا كنت طالعة منهارة وخفت يحصل نفس اللي حصل، فقلت اداري على خيبتي لحد ما اشوف حانرسي على اية ..
عمر: خيبتك، مين دي اللي خايبة؟ ده انتي ست الستات، انا مش مصدق ان يحيى حايخش المدرسة اللي كان نفسك فيها من البداية .. انت عارفة يا سارة انا بجد حاسس ان بينك وبين ربنا عمار ..
سارة: عمري ما دعيتة وظني خاب ابداً، الحمد لله ..
قالت حماتها وقد اغاظها اطراء عمر لسارة: اية دة؟ يعني موضوع الشغل ده بجد؟ ده انا قلت نسيبك كدة تجربي حظك، ده احنا ما صدقنا بطلتي شغل الكومبيوتر ده وتلتفتي لبيتك وجوزك .. انت فاكرة اني صحتي حاتستحمل ده كله؟ لا انسوا .. و بعدين مريم بنتك بقت متعبة وبتغلبني وانا ماقدرش اشيل مسئوليتها لوحدي ابدا ... و بعدين فرضا واحدة من بناتى حبت اني اروح ازورها، ارد اقول ايه يعني؟ معلش اصلي قاعدة بمريم عشان سارة هانم في الشغل؟ وحايدوكي كام يعنى يا ست سارة في الشغل ده؟
ردت سارة و قد صدمت من رد فعل حماتها: مش حكاية فلوس يا ماما .. اولا دي اكتر مهنة انسانية وليها اجر كبير عند الله، ثانيا الخصم اللي حايتعمل ليحيى في المصاريف والتبرع، وغير اني حاقدر اودي عمر كل يوم بباص المدرسة وارجعة تاني .. يعني توفير من كل ناحية، والمرتب مش وحش برضة، ده حوالي سبعميت جنيه ..
ام عمر: سبعميت جنيه و لا اكتر انا ماليش دعوة .. اعملي حسابك اني مش شغالة في البيت هنا، و اني ممكن في لحظة تلاقيني سافرت لبنت من البنات سواء دينا في الخليج او حتى داليا في امريكا .. عشان هي كمان عماله تتحايل عليّا من فترة .. يعني ما ترتبوش حياتكم على اساس وجودي معاكم ..

ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة السابعة عشرة

قالت سارة:
ايه ده، عمر بقاله كتير ما انفعلش على كده .. اسكتي يا بت يا سارة ولمي نفسك بقة، المرة دي انا حاعمل بالنصيحة اللي بقولها للناس كلها: في اي موقف بينك وبين حد حاول للحظة تنسى انك نفسك، وتكون ع الحياد، وفكر لمدة دقيقه واحدة انك ممكن تكون انت الغلطان ..
صح ممكن اكون انا غلطانة، مهما كان مرتب عمر مش حايكفي ده كله .. غير ان حمام السباحه مش ضروري اوى في التعليم .. بس برضه مش مدرسة حكومية ..
مانتي اللي استفزيتيه يا سارة، ما الراجل كان موافق معاكي على كل حاجه ودفع رسوم التقديم في كل المدارس بدون مشاكل ... والله المدرسه دي فعلا كانت مستفزه .. انا مش حافكر دلوقتي، حاستنى لما بالي يروق وساعتها حافكر ان شاء الله .. وربنا حايهديني لحل ..

قال عمر:
ياه يا عمر، كان لازمتها ايه الغاغة والحلفانات دي؟ مانت عارف ان ما فيش حاجه حاتحصل الا برضاك .. هي سارة عمرها خالفتك في حاجه؟ من ساعة ما حلفت سكتت خالص فعلا، ده حتى دموعها سكتت .. صدقت يا حبيبي يا رسول الله، خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة، ومن صفاتها اذا اقسم عليها زوجها ابرته ..
انا كنت سامع صوتي وانا بحلف عليها زي ما يكون صوت واحد تاني مش انا، صوت جدي الباشا او سي السيد مثلا ..
اعوذ بالله من الشيطان، الحمد لله ان سارة سكتت، عشان يميني ما يقعش .. ما هوبرضه مش معقول اخلي يحيى اللي بيقرف من خياله يقعد جنب مسعد اللي عمره في حياته ما مسح مناخيره .. انا قصدت مدرسة تجريبي من اللي بنسمع انها كويسه برضه، ولغات و مصاريفها حنينة شويه .. انا حاسال اصحابى و قرايبي بكره وربنا يسهل .. ماهو غلطتي برضه اني رميت الموضوع كله على سارة وفي الاخر ما عجبنيش تصرفها .. كان لازم يكون لي ضلع برضو في الحكاية ..

عادت سارة وعمر الى المنزل وقابلتهما ام عمر التي اعلنت مجيء دينا وزوجها مساءاً، فاتجهت سارة مباشرة الى المطبخ لتصنع طبق حلويات للضيوف ..
دخل عليها عمر المطبخ ونظر اليها ولم يتكلم، نظرت اليه هي الاخرى وهي تقلب السكر في اللبن، ثم ابتسما هما الاثنان في نفس اللحظة وهما يقولان في نفس واحد، صافي يا لبن ..

قالت سارة:
مهما عمل عمر برضه انا مقدرش على زعله، ربنا يخليه ليا .. دخل على المطبخ وكان ممكن يطنش ويروح يرتاح، و بمجرد ما ابتسملي، حسيت الدنيا كلها ابتسمت .. انا بحب عمر اوي .. يارب فوت الازمه دي على خير واهدنا لما تحب وترضى ..

قال عمر:
والله سارة دي اطيب زوجة في الدنيا، يعني لسه مزعقلها ومعيطها، واول ما سمعت ان اختي جايه دخلت جرى تعمل حاجه للضيوف، مع انها كان ممكن رخامة برخامة بقة تقول ابعت هات حاجه لضيوفك .. ربنا يخليكي لي يا سارة، احسن حاجه فيها قلبها الابيض ده .. يا رب نلاقي حل يرضيها واقدر عليه ..

جاء الضيوف مساء و انفتحت مناقشه طويله حول التعليم و المدارس ..
ام عمر: انا مش مصدقه اللي باسمعه ده، المصاريف بقت حاجه جنان، واللي اعرفه برضه ان المدارس ام بلاش دي ما عادتش زي ايام ما كنتو صغيرين، ما عادش فيها تعليم اصلا ..
دينا: انتو زعلانين من المدارس هنا؟ تعالوا شوفو المدارس في الخليج بقه، اقل حاجه عشره خمستاشر الف مصري، ودي مدارس هندى وباكستاني .. لكن عايزين تعليم بريطاني او امريكاني بقه، حاجه تانيه خالص خالص .. ندخل بقه في اربعين الف مصرى وكده .. وطبعا اختراع المدرسه الحكوميه ده لابناء البلد فقط، عشان الدوله هناك بتدعمه دعم كبير اوي..
سارة: يا خبر ابيض امال انتم عاملين ايه فى الغلاء ده ..
طارق: الحمد لله انا متفق على باكدج في شغل، شامل تعليم الاولاد، و تذاكر الطيران، والسكن، لولا ولاد الحلال نصحوني بكده قبل ما اكتب العقد، كنت اللي حاقبضه من هنا، حادفعه هنا ..
دينا: لا وانا كمان باشتغل محاسبه في نفس مدرسة الولاد، فعشان كده باخد خصم حوالى عشرين في الميه .. لو كنت مدرسه كان الخصم ممكن يوصل خمسين في الميه .. اهو الخصم مع اللي شغل طارق بيدفعه بيغطي المصاريف تقريبا، و بنزود حاجه بسيطه الحمد لله .. بس تصدقى الولاد في سنتين بس بقوا بيتكلموا انجليش هايل، مدرسينهم معظمهم اجانب ..
عمر: طيب و العربي يا ست دينا، اخبارهم فيه ايه؟
دينا: لا العربي في المدرسة ضعيف جدا، عشان كده انا باجيب شيخ اسبوعياً، يحفظهم قران ويديهم درس عربي زي المنهج المصري بالضبط .. اصل افرض اضطرينا نرجع مصر، عمرنا ما حانقدر على مصاريف الامريكان هنا، فلازم برضه نكون مستعدين، والولاد حفظوا الحمد لله اجزاء من القرآن دي اهم حاجه ..
سارة: ما شاء الله، لا قوة الا بالله، انا معجبه بيكي يا دينا والله .. خدتي احسن حاجه من اللغات، وكمان حفظوا القران .. انا كمان ان شاء الله حابتدي احفظ يحيى في المسجد اللي جنبنا من الشهر الجاي ..
عمر: بس برضه انا مش قادر اصدق ان كلام الحكومه بخصوص التعليم والميزانيه اللي بتتصرف عليه، كل ده غير حقيقي ..
سارة: لا مش بالضبط، بس انت ما تضمنش انك تلاقي الناس كلها عندها ضمير، خاصة ان المدرس لما يدخل الفصل، لا رقيب عليه الا ضميره، ما حدش يقدر يجبره يشرح كويس، ده غير ارتفاع كثافة الفصول، وانخفاض مرتبات المدرسين، امال الناس بتهرب للمدارس الخاصه ليه؟ عشان اعداد الطلبه في الفصل اقل، وبالتالى المدرس يقدر يهتم بيهم اكتر ..
دينا: بس والله كل اللي اعرفهم بياخدوا دروس في الاخر و خلاص .. يعنى انا رايي دخلوا يحيى مدرسه تجريبي، و افتحوله المدرسه في البيت بعد الظهر بقه، كل صحابي عاملين كده .. مصاريف التجريبي مش بتكمل خمسميت جنيه، انما بتوصل بالدروس اربع او خمستلاف زيها زي المدرسه الخاصه ..
عمر: لا معلش، لو كلامك صح، تبقى المدرسة الخاصه احسن .. معقوله اضيع عمر ابني؟ الصبح مدرسه وبالليل دروس، ويذاكر ويحل الواجب امتى؟ و اهم من كده يلعب امتى ويعيش طفولته ازاي؟ ولو عايزه يتمرن على رياضه معينه مثلا يلاقي وقت منين للتمرين وكل وقته موزع بين المدرسه والدروس؟
ابتسمت سارة و هي تحمد الله لاحساسها بفرج قريب، ولم تعلق بكلمه ..

وبعد انصراف الضيوف وضعت الاولاد في غرفتهم، حيث اصبحت مريم تنام معظم ساعات الليل الان، مما سمح لسارة بالعوده لغرفتها، مع وجود الجهاز اللاسلكي الى جوارها .. واذا سمعت صوتها، تذهب لارضاعها واعادتها للنوم ..
دخلت سارة على عمر مندفعه و هى تقول: وجدتها يا عمر، وجدتها و الله ..
عمر: ايه يا ارخميدس، هاها و جدتي ايه؟
سارة: هو كان ارخميدس اللي وجدها ولا نيوتن؟ عموما مش مهم انا لقيت حل لموضوع المدرسه يا عمر و الله ..
عمر: خير، ربنا يستر ..
سارة: في مدرسه كنت مقدمه ليحيى فيها، كان المفروض نروح لهم بكره ان شاء الله، هي مصاريفها اقل بكتير، وكمان شفت اعلان متعلق عندهم طالبين مدرسين للابتدائي بشرط اتقان اللغه الانجليزيه .. ايه رايك لو رحت بكره قدمت وعملت مقابلة يحيى بالمره؟ و زي ما دينا قالت، المدرسات بيكون لهم خصم كبير ..
عمر: ايه الكلام ده يا سارة، شغل؟ تاني؟ ده مريم لسه صغيره جدا ..
سارة: لا مش تانى، المره دى الشغل حايكون مختلف يا عمر .. اولا حاروح واجي انا و يحيى في وقت واحد، يعنى ممكن نستغني عن موضوع الباص ده ونروح معاك الصبح، ونرجع بتاكسي .. ثانيا وجود مامتك معانا حايخليني مطمنه على مريم، خاصة ان مريم ما بتصحاش بدري .. وثالثا وده الاهم، التدريس ده رساله يا عمر، وانا طول عمري كنت باذاكر لاخواتي وما صغيرين .. ولو اشتغلت مدرسة ابتدائي حايكون في مصلحة ولادنا، على الاقل اكون عارفه بياخدوا ايه، واساعدهم في مذاكرتهم ..
عمر: مش عايزين نسبق الاحداث، روحي بكره وشوفي، ولما يوافقوا على تعيينك نبقى نتكلم ..

ولم تكذب سارة خبرًا، صحت مبكرة، و اتمت ارتداء ملابسها، وطلبت من عمر توصيلها في طريقه، حتى تبرهن له على قرب المدرسة، وسهولة ان يوصلهما سويا فى الصباح .. وفي المدرسة لم تذكر موضوع ملف يحيى و لا التقديم له، بل ركزت فقط على انها اتيه للتدريس، واحضرت معها سيرتها الذاتيه واوراقها ..
وعندما قابلتها المسئوله عن التعيينات، سالتها ان كانت تحمل مؤهلا تربويا، فاجابت سارة بالنفي، وإن كان ذكاءها قد اسعفها لتقول انها ستقوم بعمل تلك الدبلومة بمجرد بداية الكورسات بالجامعة، وكلمتها السيدة باللغة الانجليزية التي كانت سارة لحسن الحظ تتقنها تماما، فردت عليها بثقه .. ثم طلبت منها اعداد درس لتشرحه امام لجنه من المدرسين غداً، ليقيموا قدرتها على الشرح و التوصيل ..
اسقط في يد سارة، فهي لا تعلم شيئا عن تحضير الدروس ولا كيفية توصيل المعلومه بشكل سليم .. "انتي الظاهر غلطتى يا سارة ولا ايييه؟؟ يا فضيحتي قدامك يا عمر" .. ولكن بعد تفكير سريع، تذكرت ان ابنة خالتها اماني مدرسة في مدرسة خاصة منذ سنوات، فاتصلت بها على المحمول، وسالتها ان كانت تستطيع مساعدتها .. وردت ابنة خالتها بالايجاب، واخبرتها انها ممكن ان تمر بها الان لو ارادت .. استاذنت سارة من زوجها و توجهت من فورها الى ابنة خالتها ..
وهناك عند اماني، اكتشفت ان هناك ما يسمى دفتر التحضير، والوسائل المساعده، ووسائل الايضاح، واهداف الحصه، واهداف الدرس .. وكانت امانى مخلصة جدا في مساعدتها لدرجه انها امدتها ببعض الوسائل الخاصه بها، وطلبت اليها استخدامها في المقابله غدا .. كانت وسائل الايضاح عباره عن لوح وبري يثبت عليه كروت ملونه ليتعلم منها الاطفال الكلمات و الحروف ..
وطلبت اماني من سارة ان تشرح لها درسا، ففعلت، واندهشت اماني من قدرة سارة الطبيعيه على التوصيل والشرح ..
امانى: يا بنتي انتي مدرسة بالغريزة .. طول عمرك ذكيه والله، الموضوع مش محتاج اكتر من شوية ذكاء .. والاكتر منه كياسه في التعامل مع الطفل وانك تخليه يحس انك بتقولي حاجه لذيذه و ينبسط بيها ..
سارة: يعني فكرك لو شرحت كده بكره في المدرسه انجح؟ و ممكن يقبلوني؟
امانى: طبعاُ، وانت بتتكلمي انجليش هايل، ودى اهم حاجه، كل اللي بعد كده حاتكتسبيه بالخبره ..
سارة: ادعيلي يا اماني، احسن الموضوع ده حايتوقف عليه حاجات كتير اوي ..
امانى: طبعا حادعيلك، ومستنيه منك تليفون بكره ان شاء الله بعد ما تخلصي المقابلة ..

علم عمر بما فعلت سارة في يومها، واشار عليها باستخدام الانترنت للبحث عن وسائل ايضاح اكثر تاثيرا، خاصة ان الطفل في هذا العصر اتسعت مداركه بشكل مذهل، مما جعل التاثير عليه امراً صعباً .. اخذت سارة بالنصيحة، وجلست مده تستخدم محركات البحث، وقامت بطباعة بعض الصور، ثم ذهبت لغرفة يحيى وقامت بجمع بعض الحيوانات الصغيره البلاستيكيه وثبتت فيها قطع صغيره من اللباد لتصبح قابله للالتصاق باللوحه الوبريه .. واعدت الدرس باستخدام الورد وطبعته.
واتصلت بوالدتها واخاها و اسراء وزوجها ليحضروا للسهر معهم، واجلستهم جميعا بالاضافة الى حماتها وعمر ومعهم بعض اللب والسوداني والمسليات كي يوافقوا ان تشرح لهم الدرس الذي ستشرحه غدا كعرض للمدرسين .. كان عمر في غاية السعاده بها اذ ابدعت من عندها عرض شرائح على الكومبيوتر، (باستخدام باوربوينت) قررت ان تبهر به لجنة الاختبار غدا ..
لقد سخـّرت سارة كل معرفتها بالحاسب لخدمة هدفها في الشرح وذلك ما جعل عمر يوافق على اعارتها الحاسب المحمول الخاص به (اللاب توب) ليساعدها فى هذا العرض ..
و داعبها احمد: لو كانوا بيدرسولنا كده و احنا صغيرين، كان زماننا دخلنا هندسه والله .. استغرق الجميع في الضحك لان احمد بالفعل طالب في كلية الهندسة ..
اما اسراء فاثنت عليها بشده، و ذكرتها بايام كانت تذاكر لها وهي طفله وكيف كان لها اسلوبا لطيفا في الشرح يثير الخيال، و يبعد الملل ..
ونامت سارة ليلتها و هى تدعو الله ان يوفقها، و تطلب من زوجها الدعاء لها بالتوفيق ..

توجهت سارة للمدرسه في الصباح، وجاءت لحظة الحسم، فبعد انتظار طويل جاء دور سارة، التي طلبت توصيل جهاز الحاسب الخاص بها بشاشة العرض بالقاعه، وخيم على الحضور الصمت في انتظار بدء الشرح ..

ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة السادسة عشرة

قالت سارة:
دخلت على احمد اخي، فوجدته سارحا، لدرجة انه لم يلحظ دخولي .. ثم اكتشفت ان سماعة الموبايل فى اذنه و ناديت: احمد هيه، انت فين؟
احمد: انا موجود اهوه، انتي دخلت امتى؟
سارة: لسه حالا .. بس انت من ساعة زيارة مروة ومامتها ما اتكلمتش ولا كلمه ليه؟
احمد: صحيح، ايه رايك في مروه؟
سارة: الحقيقه زي العسل، و تدخل القلب في ثواني .. ربنا يكتب لكم الخير ياخويا يا رب .. وانا اتكلمت مع ماما، و هي موافقة، بس رايها نستنى بس السنة دي لما تخلصوا الكليه، عشان يعني ما نروحش لاهلها نقولهم ده طالب، نقول الباشمهندس عايز يخطب بنتكم ..
احمد: صح، انا شايف كده برضه .. و اظن هي لو بتحبني فعلا، ممكن تصبر السنه دي .. و لو اتقدملها حد، و اضح ان مامتها ست متفهمه، ومش حاتضغط عليها ..
ياللا بقة النهارده اخر يوم في مارينا، مش حاتلبسي المايوه السبعتاشر قطعه بتاعك عشان تنزلى الميه؟
سارة: صحيح ايام عدت هوا .. و الله يا احمد الفكره مش في مارينا، الفكره اننا لاول مر ه من زمان احنا متجمعين مع بعض .. احسن حاجه لمـّة العيله، حتى لو المكان ضيق .. تخيل لو كل واحد نازل في شاليه لوحده ما كناش حاننبسط كده، صح؟
احمد: هاهاه ليكي حق طبعا، مانتي ليكي حته تمليك تنامي فيها .. لكن انا لازم استنى لما ماما تصحى بدري من النوم عشان اغرز نفسى مكانها بارت تايم يعني .. هاهاهاها .. بس صحيح عندك حق، و الله احلى ايام، ان شاء الله تتكرر تاني ..
سارة: اه بس مش مارينا الله يرضى عليك .. فاكر لما خدتنا القريه اللي جنب مارينا علطول دى؟ و الله حلوه، و اسعارها ربع مارينا .. واللي عايز بقه قهاوي ولا كرة قدم يبقى يدخل مارينا بالليل يلعب كوره ولا يقعد ع القهوه زي ماهو عايز ..

ثم دخل عمر و طلب منهم الاسراع في الاستعداد لاخر نزهه في البحر ..

قالت سارة:
اوحش حاجه في المصيف انه بيخلص، ماما بتقول انه ايام اجدادنا كانت الناس بتصيف الصيف كله، يعني تلاتة اشهر في اسكندريه مثلا، ايه الفضا ده؟ او على الاقل شهر يعني للي ما يقدرش ع الصيف كله .. طبعا لو الواحد قعد في مارينا شهر ممكن يروح بيتهم بالمايوه، عشان حايكون باع هدومه قبل ما يمشى .. المهم اقدر احفظ يحيى كام كلمه ..
قول يا يحيى: بورتو مارينا .. بنانا بوت .. بيتش باجي .. سينابون ..
ما ان يهم يحيى بالكلام حتى يقاطعه احمد: قول يا بني: صيفنا في عين الصيره .. امي بتعملي شاندوشتات جبنه اسطمبولي .. لعبتى المفضله البلي ..
فيثيرني و يغيظني لكنني لا اتمالك نفسي من الضحك قائله: حرام عليك يا احمد، سيبه يحفظ له كلمتين .. حيستجوبوه في المدرسه هاهاهاها ..

وفى طريق العوده كانت الوجوه مختلفه تماما عنها فى طريق الذهاب، وجوه مسمره لفحتها الشمس، و ظهر عليها الملل و الحزن لانتهاء الاجازه .. لكن كل الاوقات تنتهي، الحلوة والمرة على حد سواء، وتبقى ذكراها فقط في النفس .. ولقد حملت لي هذه الرحله اجمل واغلى الذكريات.

قال عمر:
بعد العوده، بدات سارة تكثف جهودها فى التقديم للمدراس، وكانت العديد منها قد اغلقت باب القبول بالفعل، مما اورثها الكثير من الضيق، وكانت تدور دورتها كل يوم على عدد من المدارس، تترك اوراق يحيى .. والمفاجأه التي لم اكن اعمل لها حسابا ان كل مدرسه يتم التقديم فيها، ندفع مبلغا يتراوح بين مائة و ثلاثمائة جنيه لمجرد ملء الاستمارات، او السي في، و لو لم يتم قبول الطفل .. راحت عليك الفلوس يا خفيف، يعني انا لو صاحب مدرسو ممكن اقضيها استمارات بس، واعيش ملك ..
و بعدين يعملوا امتحانات للولد، حيث يدخل غرفه مغلقة، و يتم استجوابه بدقة شديدة، و الله انا خايف يكونوا بيحطوا في وشه لمبه كبيره كده زي المخابرات، او بيغرقوا وشه في جردل الميه عشان يعترف .. حبيبي يا بني، كان مستخبيلك فين الغلب ده؟
الاصعب من كده وضع سارة بعد كل زياره للمدارس، تفضل قاعده جنب التليفون، زي ما يكون يحيى مرشح لوزارة المراجيح ..

قالت سارة:
لا خلاص اعصابي تعبت، انا خايفه يكون ابني فيه عيب عشان كده ما فيش مدرسة ردت عليّ لحد دلوقتي .. يمكن عشان كتبنا في الاستماره ان عمر خريج مدرسه عربى؟ ليكون ما ردش ع الميس لما سالته ع الالوان؟ مع اني محفظهاله، وكمان وديته مارينا .. اعمل ايه تاني يا ربي، ربنا يستر وينقبل في اي مدرسه .. منهم انا خلاااص تعبت ..
عدت ايام زى ما يكون سنين لحد ما مدرسه منهم الحمد لله اتصلت بينا وقالت لنا انه تم القبول .. مدرسه جميلة وفيها حمام سباحة وكمان قريبة من البيت .. يعني ممكن نوفر الباص .. احمدك يا رب ..

قال عمر:
يا نهار ابيض .. مصاريف المدرسة ستلاف جنيه في السنة غير شامل الباص واللبس والكتب والمايوه؟
سارة: يا سيدي الحمد لله الواد عنده مايوه ..
عمر: يا سارة انتي عارفه ان وضعي في الشركه مؤقت عشان دي شركة اجنبية .. و ممكن في اي يوم المشاريع تخلص والاقي نفسي في الشارع زي ما كان حايحصل .. اضمن منين ساعتها اني اعرف ادفعله؟
سارة: خلينا نتامل خير في وجه الله، و ان شاء الله ربنا مش حايخذلنا ..
عمر: بالذمه كي جي وان دي حايتعلم فيها ايييه ده؟ انا حاجي معاكى يا سارة بس انا مش مقتنع، يعني مش حاسس ان الموضوع يسوى كل المبالغ دي .. و تذكرى ان ربنا حيسأل كل واحد عن ماله فيم اكتسبه، و كيف انفقه ..
ودخل عمر و سارة المدرسة و قابلتهم سيدة في غاية الاناقة والاستعلاء .. ابلغتهم انها المسئولة عن العلاقات العامة ..
السيدة: اهلا يا فندم ومبروك لنجلكم القبول في مدرستنا ..
عمر: الله يبارك فيكى ممكن نعرف يعني مطلوب مننا ايه؟
السيده: شهادة الميلاد بالكومبيوتر، وست صور للطفل، وخمسة الاف جنيه ..
عمر: هوه احنا حاندفع المصاريف من دلوقت؟ ده احنا لسه في شهر سبعة ..
السيدة: لا يا فندم دي مصاريف تسجيل (Registration Fees) .. تدفع مره واحده فقط عند القبول ..
عمر: تسجيل ايه يا مدام؟ هوه انتو حاتسجلو الولد على دي في دي؟؟
السيده: لا يا فندم، غيرنا بياخد تبرع بالاف لكن احنا بس بناخد مصاريف تسجيل ..

نظر عمر لزوجته نظرة فهمتها وارخت عينيها في الارض، ثم اكمل كلامه مع السيدة المسئولة ..
السيدة: حضرتك كمان لازم تسدد القسط الاول في خلال عشر ايام من النهارده ..
عمر: يا فندم لسه شهرين ونص على بداية الدراسة ..
السيدة: ده القسط الاول بس، لكن الثاني لسه في شهر عشرة ..
عمر: طيب ممكن اعرف قيمة الاقساط دي؟
السيده: القسط الاول خمسة الاف وخمسميت جنيه .. والثاني خمسمية جنيه .. وفي زياده سنويه ثابتة عشرين في المية للمصاريف ..
عمر: طيب يا فندم اصل الحاجات دي كلها ما كانتش مكتوبة فى النشرة اللي في الرسبشن عندكم .. فانا محتاج اخد وقت عشان افكر واعرف حاعمل ايه ..

كادت الدموع تطفر من عيني سارة وهي تعتذر للسيدة وتطلب منها ابقاء مكان يحيى محجوزا لمدة يومين لا غير، وهي تجرى لتلحق بعمر الذي انصرف غاضبا.

وفي طريق العوده كان عمر ثائراً حانقاً، ولاول مره منذ عرف سارة، عندما رآى دموعها لم يهدأ و لم يتعاطف معها، لكنه ازداد حنقا ..
عمر: اقدر افهم بتعيطي ليه دلوقتي؟ انت مش فاهمه يا سارة؟ مدرسه بالمنظر ده، حيهرونا مصاريف طول السنة .. مانا كمان ليا اصحاب و سالتهم، الطفل بيتكلف كل اسبوع من خمسين لميت جنيه .. مرة رحلة، و مرة حفلة، و مرة سيرك في المدرسة، و طبعا لو دخلناه، يبقى لازم نخليه زيه زي زمايله، و الا يتعقد ..! وبعدين انت ناسيه ان عندنا لسه بنت لسه وراه عايزه تتعلم هيا كمان لما تكبر؟ ولا يعني نعلم يحيى وهوه يقول لاخته وخلاص؟ ولا ابيع هدومى انا بقه عشان العيال تتعلم؟
سارة من بين دموعها: انا عمري ما عارضتك في حاجه يا عمر .. بس كل المدارس كده، وكلهم بياخدو تبرعات، وانا على استعداد ابيع جزء من دهبي عشان يحيى يدخل المدرسة .. عشان خاطرى يا عمر، انا كل امنيتي اوفر لابني احسن تعليم ..
عمر: طيب احسن باحسن بقه ليه ما نوديهوش الشويفات او الامريكية؟ يعني بتاع تلاتين اربعين الف في السنه .. يا سارة، لا يكلف الله نفسا الا وسعها ..
سارة مقاطعة: انا ما قلتش تلاتين ولا اربعين، انت قلت بنفسك الا وسعها، و انا عارفه انك تقدر، بس مش عايز تفهم اهمية ان الولد يروح مدرسه حلوه يحبها، وينبسط فيها مش يتعذب ..
عمر: يا سلام، امال لو كنت باقول نوديه مدرسة حكومية بقه كنت عملتي ايه؟ رغم انى اتعلمت فى مدارس حكومية، و طلعت مهندس زي الفل اهوه .. والعقد اللي عندك دي عشان خريجة لغات مالهاش اي داعي .. عملتي ايه باللغات يا ستي؟ وكنتي بتاخدي كام يعني لما كنتي بتشتغلي؟
سارة: مدرسة حكومية؟!! قول بقه كده، بالذمه مين اللي عنده عقد؟ الواحد بيبقى عايز ابنه يكون احسن منه، مش يحقد عليه، للدرجة دي ابنك يهون عليك؟ عايز تدخله المدرسه مع ابن عم رجب البواب ..
عمر: طيب يمين بالله يا سارة لو ما سكتي و قفلتي ع الموضوع ده دلوقتي لانا مدخلة مدرسة حكومية، وعربي كمان، وحاطلب يقعد جنب الواد مسعد ابن رجب بالذات بقه .. ايه رايك؟

______________________________
لا أدري إن كانت في سارة نزعة كِبرٍ أم أنـّني لم أفهم المغزى من استهجانها بالقول "عايز تدخله المدرسه مع ابن عم رجب البواب" .. وهل كون الإنسان فقيراً يعني أن يصبح مستقذراُ نـُبعدُ أولادنا عنه؟!!
"مشرف الصفحة"

ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة الخامسة عشرة

قالت سارة:
بمجرد عودة الرجال من الصلاة كان الاطفال قد استعدوا ولبسوا المايوهات، وكذلك انا ودينا واسراء.!!!
دخل عمر، ثم فوجئنا به حين رآنا يصرخ: حراميه ..
جاء باقي الرجال جريا على صوت عمر الذي دقق قليلا ثم قال: ايه ده بس؟ انا كنتوا حاتموتوني من الخضة، ضفادع بشرية في البيت ليه؟
احمد وهو يلتقط انفاسه: حرام عليكم اللي عملتوه فينا ده .. النينجا ترتلز في مارينا؟
اسراء: جرى ايه يا سي احمد، يعني احنا مالناش نفس ننزل الميه؟
ثم توالت التعليقات ..!!
طارق: ايه بدل الغوص دي؟ ايه يا دينا حاتفضحينا في وسط المايوهات بتاعت مارينا كده؟
والد سارة: ايه يا بنات الحاجه دي انا عمرى ما شفتها ..
فاصابنا الاحباط و كدنا نعود لنغير ملابسنا، حتى انقذنى احمد حبيبي: بص يا ابيه عمر في شاطىء خاص هنا للسيدات بس، ما بيخشوش ولا راجل، اسمه يشمك، واشتراكه حاجه بسيطه اوي، يعني الثلاث سلاحف دول كده حوالي الف و خمسميت جنيه ..
تنحنح بعدها عمر: تصدق هوه المايوه مش وحش يعني لو الواحد اتعود عليه؟(!!!)
وبعدين فيه ميزه برضه؛ مايوه و عوامه في نفس الوقت .. يالا بينا ننزل البحر ..!!
ونزلنا كلنا طابور كبير من البشر ومعنا الاطفال في طريقنا للبحر، وكان احمد هوه دليلنا حيث انه سبق له المجيء مع اصدقائه ..
سارة: ايه كم الاجانب اللي في مارينا دول يا عمر؟ الحمد لله السياحه بخير ..
عمر: ولو ان يعنى هدومهم فضايح، بس اهو دخل كويس للبلد ..
احمد: سياح ايه بس يا ناس؟ دول مصريين وعرب،انتم مش سامعين مارينا بتتكلم عربي اهيه ..
ثم دار حوار جانبى بين السيدات تعليقا على احدى الفتيات:
اسراء: يا خبر ابيض، ده حتى في دبي عندنا الاجانب بيحترموا تقاليد البلد عن كده، بكيني في الشارع كده؟؟
دينا: نفسي اعرف ايه الفرق بين المايوه البكيني والملابس الداخلية .. والست اللي لابسه بكيني وماشيه بيه في الشارع وفرحانه اوي لو دخل عليها حد وهي بالملابس الداخليه تلطم وتصوت ليه؟!! عجايب؟!!
سارة: بلاش غيبة ونميمه بقه، احنا مالنا .. ده احنا كمان لازم نغض البصر والله، يا للا ياللا ننزل مع الولاد الميه ..
وبعد قليل، ابتعد يحيى بعوامته قليلا عن المجموعة وسهت سارة عنه، ثم سمعوا جميعا صوته يصرخ .. انقلبت به العوامه واصبحت ساقاه في الهواء وراسه لاسفل .. صرخت سارة وحاولت التوجه له وكذلك فعل كل الرجال في البحر .. لكن احمد كان سباحا ممتازا، استغرق ثوان معدوده ليصل الى يحيى و يحمله خارج الماء محاولا تهدئته، حيث كان يحيى مذعورا لدرجة كبيرة .. وجرت سارة لتحمل يحيى وهي تقبل احمد وتبكى قائلة: ربنا يخليك يا خويا، ربنا يكرمك يا حبيبي ..
ثم تبعها عمر واخذ يحاول اخراج الماء الذي ابتلعه يحيى من جوفه وهو يقول: الحمد لله ربنا ستر .. الله يكرمك يا بو حميد، عرفنا قيمة وجود سباح في العيله ..
و منذ تلك اللحظه اصريت ان اعلم يحيى السباحة، و ايضا الرمايه وركوب الخيل، كوصية السلف ..
الحمد لله هدأ يحيى بعد وقت قصير، و نسي الموضوع وعاد ينزل مره اخرى للبحر .. لكن تلك المره لم يحاول الابتعاد عن والده وخاله ..

قال عمر:
الحمد لله ان يحيى رجع الميه تاني، انا كنت خايف يتعقد ولا حاجه .. وايام مارينا عدت بسرعة كبيرة، معظمها نزول البحر نهارا، وبالليل للاسف ما فيش غير القهاوي، لكن لقينا ملعب كورة قدم جميل اوي، واتعرفنا على بعض الشباب، و اصبحنا نلعب الكره ليلا .. و فوجئت مثلا مرة بمحمد فؤاد بيلعب معانا، ومرة تانية لقيت كابتن حسام حسن .. ايه النجوم دي كلها، يا نجومك يا مارينا .. بس كله بحسابه، كيلو العنب اللي في مصر باربعه جنيه هنا بخمستاشر .. وطبعا لو فكرت تاكل بره تبقى اكيد بتهزر، الحمد لله ان الستات عملوا حسابهم في موضوع الامن الغذائي ده ..

قالت سارة:
يا عينى على مصاريفك يا مارينا، نفطر فول وطعميه بخمسين جنيه؟ صحيح عددنا كبير، بس لو فكرنا نفطر كرواسون وجبنه شيدر حاندفع كام؟ ده غير لقينا الفيلا عليها مصاريف ميه و كهرباء سنة كاملة، وصيانة وزراعة الجنينه، وكان طبيعي نتطوع ندفع الحاجات دي عشان بابا حايدفع الايجار .. بس الحمد لله ادي الواحد شاف الدنيا، لاول واخر مره يا مارينا ..

قالت ام سارة:
هوا ايه اللي جايين نشمه ده؟ الحل الوحيد عشان نشم هوا اننا ما نخرجش من الفيلا .. لكن اول ما الليل يهل ما بنشمش غير الشيشه ودخان الشيشه .. وللاسف بالليل ما فيش فسحة غير القعاد ع القهاوي .. وحازم وطارق نازلين شد انفاس لما هرونا .. لكن احمد ابني، اصمله عليه، ادب ايه وكمال ايه، وكمان عمر ربنا يحميهم يا رب .. المفاجاه بقه إن البت دينا اخت عمر رخره جوزها اداها تشرب شيشه، يادي الكسوف .. وكله كوم وحساب القهاوي دي بقه كوم تاني خالص ..
ايه موضوع "مينيمـَم تشارج" ده؟ مين اللي اخترعه؟ يعني عشان اقعد اشرب شاي بس ما ينفعش، لازم طلباتي تكمل خمسة واربعين جنيه .. يا عم احنا متعشيين والحمد لله..! لا مافيش فايده لازم نطلب والا ندفع من غير ما نطلب ..

قال حازم:
ايه الناس دي؟ ايه الاسعار دي؟ ايه القصور دي؟ لما واحد يكون قصره الصيفي ثمنه خمسه مليون، امال بيته الحقيقى تمنه كام؟ يلزمني كام سنة في دبي عشان اجيب اوضه في مارينا؟ يا نهار ابيض ده الواحد ما كانش عارف حاجه خالص .. فاكر نفسه حيلم قرشين ويرجع بلده يحط رجل على رجل .. ده حتى عربيتي اللي انا فخور بيها اوي واللي لسه ما دفعتش جمركها، اللي اغلي منها بالمناسبه، ما تجيش تمن كاوتش عربيه راكبها عيل ماريناوي .. انا مش باحقد و الله، بس الناس دي بتجيب الفلوس منين؟
امال الناس اللي بتموت من الجوع وفي طوابير العيش وبتنتحر فقرا.! دي مراية العربية الهامر دي تأكل شارع بحاله .. لا واسعار الاكل هنا .. ولا يوم ما طارق بيه عزمنا ع الغدا، مطعم في وسط البحر، وانا كنت حاسس بمصيبه جاياله، بس تمنميت جنيه .. يا نهار، بس انا ماليش صالح بالحاجات دي .. هوه حر، انما انا جايب هدايا بالشيء الفلاني، وانا جاي من دبي .. ده حتى ما يرضيش ربنا لما ابعتر تعبي وشقايا كده على الاكل و الشرب ..

قال طارق:
والله احلى اسبوع الواحد قضاه من زمان .. ربنا يكرمك يا عمر يا اخو مراتي على الفسحه دي .. حتى العزومة اللي عزمتهالهم ما تجيش تمن ليلة واحده في اي حته فيكي يا مارينا .. والله انت واد مبخت يا طارق، لأ وايه الماء والهواء والوجه الحسن .. مش وجه بس، ده كله كله حسن ..
بس لو دينا تروح تلعب بعيد شوية .. كانت عايزاك وانت عازب مارينا دي يا طروق والله .. كانت فين دي؟ ياللا حناخد زماننا وزمن غيرنا؟!!

قال احمد:
مش تاعبني في مارينا دي الا موضوع غض البصر ده.!! يعني الواحد بيحاول والله على قد ما يقدر، لكن اللي البنات عاملينه ده اوفر (over) .. اخر حاجة الواحد بيكون بيتامل في جمال الشاطئ والطبيعة وفجاه يلاقي مصيبة سوده طلعاله من قلب الطبيعة .. ظاهرة طبيعية طالعة من البحر .. او صناعيه شويه، المهم انها ظاهره .. اه والله كلها ظاهره مافيش حاجه خالص مستخبيه .. وقال ايه كنا خايفين على طقم الضفادع البشرية اللي معانا لحسن حد يبصلهم .. دول ستات كمل والله العظيم .. يعني لو كل واحده لمت نفسها شويه، مش كانوا ساعدونا على موضوع غض البصر ده؟
بس ايه ده عمري ما شفت اخواتي فرحانين كده .. ما شاء الله زي ما يكونوا رجعوا اطفال تاني وبيلعبوا في الميه مع العيال الصغيرة .. احلى حاجه في الاجازه دي يحيى ومريم؛ و الله شعور الخال ده مختلف خالص .. انا كنت فاكر نفسي حازهق عشان متعود اكون مع صحابي في المصيف، لكن فعلا امتع حاجه اللمة والعيلة .. و ابقه اجي تاني مع صحابي برضه هااها ..
اهم حاجه حصلت بقه النهاردة اني شفت مروة هنا، انا من ساعة الامتحانات ومش باتكلم معاها الا كل فين وفين .. مره سالتني ع النتيجة ومرة تانية كانت بتهنيني عشان الاهلي خد الدوري ..
امبارح فوجئت بيها هي ومامتها بيتمشوا في الشانزلزيه، وقلبي رفرف كده شويه .. ما كنتش فاكرها وحشتني اوي كده .. وسلمت عليها وعلى مامتها .. باين عليها بتحبني والله، فرحت اوي لما شافتني .. ومامتها قالت لي اسلم على ماما واعزمها عندهم في الشاليه ..


------- تنويهات -------
1. الطابع الغالب على الرواية هو الطابع الملتزم، ولكن هناك بعض التجاوزات تظهر فيها كمثل التهاون في الإستماع إلى الموسيقى، وأيضاً ما ورد في هذه الحلقة من أنّ النساء لبسن "المايوه الشرعي" .. وهو عن الشرع بعيد أشدّ البعد .. فلست أدري كيف تبيح المرأة لنفسها أن تلبس لباساً تدخل فيه إلى الماء، فمهما كان هذا اللباس فضفاضاً فإنـّه سيلتصق بالجسم فور الخروج من الماء .. فالأصل بالمرأة المسلمة أن ترباً بنفسها عن مثل هذا .. وإن قالت المرأة بأنّ منع نفسها من هذا فيه تقييد لها ومنع لها من متع الدنيا فنقول: امنعي نفسكِ مما فيه معصية أو شبهة حتى تحظي بمتع الجنـّة كلـّها بإذن الله .. فالدنيا ليست لنا حتى تتوق أنفسنا لندخل البحر أمام ناظر الرجال والله المستعان ..
2. الظاهر من قول شخصيات الحلقة أنّ المنطقة التي ذهبوا إليها فيها من العري الكثير مما يسبب الفتنة ويصعب على المرء أن يغضّ بصره حتى كما ذكرت شخصيـّة أحمد، والأصل بالمسلم أن ينأى بنفسه عن مثل هذه الفتن، فهو إن عصى الله أو سبـّب لغيره أن يعصي الله بسبب تواجده في هذه المناطق فهو غير معذور لأنـّه وضع نفسه في موضع فتنة والله المستعان .. ومرّة أخرى إن كانت الشواطئ كلـّها فيها مثل هذا العريّ فالأصل فينا أن لا نذهب إلى هناك أصلاً كي نحظى بمتع الجنـّة بإذن الله ولا نضيـّعها لأجل متع لحظيـّة ..
3. شخصيـّة "مروة" المذكورة في آخر الحلقة هي الفتاة التي ذكر "أحمد" بأنـّه يودّ خطبتها .. فالأصل بالمسلم إن أراد الزواج أن يعقد العزم ويخبر أهله لخطبتها من أهلها قبل التجاوز في أيّ شيء .. وقد ذكر أهل العلم أنّ الحديث في الهاتف مع من يودّ المرء خطبتها لا ينبغي دون متابعةٍ من محرم كي لا يحصل ما لا يراد من تعلـّق القلوب، وحتى الحديث في الهاتف لا يجوز أن يكون متكرراً كثيراً فالغرض منه التعرّف الجزئي .. فقبل العقد قد تتعلـّق القلوب ببعضها ومن ثم لا يكون الزواج، فتبقى الغصـّة في القلب وقد تجلب ما لا يحمد عقباه .. فوجب التنبيه والله المستعان.

Facebook Twitter Favorites More