ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة السابعة عشرة

قالت سارة:
ايه ده، عمر بقاله كتير ما انفعلش على كده .. اسكتي يا بت يا سارة ولمي نفسك بقة، المرة دي انا حاعمل بالنصيحة اللي بقولها للناس كلها: في اي موقف بينك وبين حد حاول للحظة تنسى انك نفسك، وتكون ع الحياد، وفكر لمدة دقيقه واحدة انك ممكن تكون انت الغلطان ..
صح ممكن اكون انا غلطانة، مهما كان مرتب عمر مش حايكفي ده كله .. غير ان حمام السباحه مش ضروري اوى في التعليم .. بس برضه مش مدرسة حكومية ..
مانتي اللي استفزيتيه يا سارة، ما الراجل كان موافق معاكي على كل حاجه ودفع رسوم التقديم في كل المدارس بدون مشاكل ... والله المدرسه دي فعلا كانت مستفزه .. انا مش حافكر دلوقتي، حاستنى لما بالي يروق وساعتها حافكر ان شاء الله .. وربنا حايهديني لحل ..

قال عمر:
ياه يا عمر، كان لازمتها ايه الغاغة والحلفانات دي؟ مانت عارف ان ما فيش حاجه حاتحصل الا برضاك .. هي سارة عمرها خالفتك في حاجه؟ من ساعة ما حلفت سكتت خالص فعلا، ده حتى دموعها سكتت .. صدقت يا حبيبي يا رسول الله، خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة، ومن صفاتها اذا اقسم عليها زوجها ابرته ..
انا كنت سامع صوتي وانا بحلف عليها زي ما يكون صوت واحد تاني مش انا، صوت جدي الباشا او سي السيد مثلا ..
اعوذ بالله من الشيطان، الحمد لله ان سارة سكتت، عشان يميني ما يقعش .. ما هوبرضه مش معقول اخلي يحيى اللي بيقرف من خياله يقعد جنب مسعد اللي عمره في حياته ما مسح مناخيره .. انا قصدت مدرسة تجريبي من اللي بنسمع انها كويسه برضه، ولغات و مصاريفها حنينة شويه .. انا حاسال اصحابى و قرايبي بكره وربنا يسهل .. ماهو غلطتي برضه اني رميت الموضوع كله على سارة وفي الاخر ما عجبنيش تصرفها .. كان لازم يكون لي ضلع برضو في الحكاية ..

عادت سارة وعمر الى المنزل وقابلتهما ام عمر التي اعلنت مجيء دينا وزوجها مساءاً، فاتجهت سارة مباشرة الى المطبخ لتصنع طبق حلويات للضيوف ..
دخل عليها عمر المطبخ ونظر اليها ولم يتكلم، نظرت اليه هي الاخرى وهي تقلب السكر في اللبن، ثم ابتسما هما الاثنان في نفس اللحظة وهما يقولان في نفس واحد، صافي يا لبن ..

قالت سارة:
مهما عمل عمر برضه انا مقدرش على زعله، ربنا يخليه ليا .. دخل على المطبخ وكان ممكن يطنش ويروح يرتاح، و بمجرد ما ابتسملي، حسيت الدنيا كلها ابتسمت .. انا بحب عمر اوي .. يارب فوت الازمه دي على خير واهدنا لما تحب وترضى ..

قال عمر:
والله سارة دي اطيب زوجة في الدنيا، يعني لسه مزعقلها ومعيطها، واول ما سمعت ان اختي جايه دخلت جرى تعمل حاجه للضيوف، مع انها كان ممكن رخامة برخامة بقة تقول ابعت هات حاجه لضيوفك .. ربنا يخليكي لي يا سارة، احسن حاجه فيها قلبها الابيض ده .. يا رب نلاقي حل يرضيها واقدر عليه ..

جاء الضيوف مساء و انفتحت مناقشه طويله حول التعليم و المدارس ..
ام عمر: انا مش مصدقه اللي باسمعه ده، المصاريف بقت حاجه جنان، واللي اعرفه برضه ان المدارس ام بلاش دي ما عادتش زي ايام ما كنتو صغيرين، ما عادش فيها تعليم اصلا ..
دينا: انتو زعلانين من المدارس هنا؟ تعالوا شوفو المدارس في الخليج بقه، اقل حاجه عشره خمستاشر الف مصري، ودي مدارس هندى وباكستاني .. لكن عايزين تعليم بريطاني او امريكاني بقه، حاجه تانيه خالص خالص .. ندخل بقه في اربعين الف مصرى وكده .. وطبعا اختراع المدرسه الحكوميه ده لابناء البلد فقط، عشان الدوله هناك بتدعمه دعم كبير اوي..
سارة: يا خبر ابيض امال انتم عاملين ايه فى الغلاء ده ..
طارق: الحمد لله انا متفق على باكدج في شغل، شامل تعليم الاولاد، و تذاكر الطيران، والسكن، لولا ولاد الحلال نصحوني بكده قبل ما اكتب العقد، كنت اللي حاقبضه من هنا، حادفعه هنا ..
دينا: لا وانا كمان باشتغل محاسبه في نفس مدرسة الولاد، فعشان كده باخد خصم حوالى عشرين في الميه .. لو كنت مدرسه كان الخصم ممكن يوصل خمسين في الميه .. اهو الخصم مع اللي شغل طارق بيدفعه بيغطي المصاريف تقريبا، و بنزود حاجه بسيطه الحمد لله .. بس تصدقى الولاد في سنتين بس بقوا بيتكلموا انجليش هايل، مدرسينهم معظمهم اجانب ..
عمر: طيب و العربي يا ست دينا، اخبارهم فيه ايه؟
دينا: لا العربي في المدرسة ضعيف جدا، عشان كده انا باجيب شيخ اسبوعياً، يحفظهم قران ويديهم درس عربي زي المنهج المصري بالضبط .. اصل افرض اضطرينا نرجع مصر، عمرنا ما حانقدر على مصاريف الامريكان هنا، فلازم برضه نكون مستعدين، والولاد حفظوا الحمد لله اجزاء من القرآن دي اهم حاجه ..
سارة: ما شاء الله، لا قوة الا بالله، انا معجبه بيكي يا دينا والله .. خدتي احسن حاجه من اللغات، وكمان حفظوا القران .. انا كمان ان شاء الله حابتدي احفظ يحيى في المسجد اللي جنبنا من الشهر الجاي ..
عمر: بس برضه انا مش قادر اصدق ان كلام الحكومه بخصوص التعليم والميزانيه اللي بتتصرف عليه، كل ده غير حقيقي ..
سارة: لا مش بالضبط، بس انت ما تضمنش انك تلاقي الناس كلها عندها ضمير، خاصة ان المدرس لما يدخل الفصل، لا رقيب عليه الا ضميره، ما حدش يقدر يجبره يشرح كويس، ده غير ارتفاع كثافة الفصول، وانخفاض مرتبات المدرسين، امال الناس بتهرب للمدارس الخاصه ليه؟ عشان اعداد الطلبه في الفصل اقل، وبالتالى المدرس يقدر يهتم بيهم اكتر ..
دينا: بس والله كل اللي اعرفهم بياخدوا دروس في الاخر و خلاص .. يعنى انا رايي دخلوا يحيى مدرسه تجريبي، و افتحوله المدرسه في البيت بعد الظهر بقه، كل صحابي عاملين كده .. مصاريف التجريبي مش بتكمل خمسميت جنيه، انما بتوصل بالدروس اربع او خمستلاف زيها زي المدرسه الخاصه ..
عمر: لا معلش، لو كلامك صح، تبقى المدرسة الخاصه احسن .. معقوله اضيع عمر ابني؟ الصبح مدرسه وبالليل دروس، ويذاكر ويحل الواجب امتى؟ و اهم من كده يلعب امتى ويعيش طفولته ازاي؟ ولو عايزه يتمرن على رياضه معينه مثلا يلاقي وقت منين للتمرين وكل وقته موزع بين المدرسه والدروس؟
ابتسمت سارة و هي تحمد الله لاحساسها بفرج قريب، ولم تعلق بكلمه ..

وبعد انصراف الضيوف وضعت الاولاد في غرفتهم، حيث اصبحت مريم تنام معظم ساعات الليل الان، مما سمح لسارة بالعوده لغرفتها، مع وجود الجهاز اللاسلكي الى جوارها .. واذا سمعت صوتها، تذهب لارضاعها واعادتها للنوم ..
دخلت سارة على عمر مندفعه و هى تقول: وجدتها يا عمر، وجدتها و الله ..
عمر: ايه يا ارخميدس، هاها و جدتي ايه؟
سارة: هو كان ارخميدس اللي وجدها ولا نيوتن؟ عموما مش مهم انا لقيت حل لموضوع المدرسه يا عمر و الله ..
عمر: خير، ربنا يستر ..
سارة: في مدرسه كنت مقدمه ليحيى فيها، كان المفروض نروح لهم بكره ان شاء الله، هي مصاريفها اقل بكتير، وكمان شفت اعلان متعلق عندهم طالبين مدرسين للابتدائي بشرط اتقان اللغه الانجليزيه .. ايه رايك لو رحت بكره قدمت وعملت مقابلة يحيى بالمره؟ و زي ما دينا قالت، المدرسات بيكون لهم خصم كبير ..
عمر: ايه الكلام ده يا سارة، شغل؟ تاني؟ ده مريم لسه صغيره جدا ..
سارة: لا مش تانى، المره دى الشغل حايكون مختلف يا عمر .. اولا حاروح واجي انا و يحيى في وقت واحد، يعنى ممكن نستغني عن موضوع الباص ده ونروح معاك الصبح، ونرجع بتاكسي .. ثانيا وجود مامتك معانا حايخليني مطمنه على مريم، خاصة ان مريم ما بتصحاش بدري .. وثالثا وده الاهم، التدريس ده رساله يا عمر، وانا طول عمري كنت باذاكر لاخواتي وما صغيرين .. ولو اشتغلت مدرسة ابتدائي حايكون في مصلحة ولادنا، على الاقل اكون عارفه بياخدوا ايه، واساعدهم في مذاكرتهم ..
عمر: مش عايزين نسبق الاحداث، روحي بكره وشوفي، ولما يوافقوا على تعيينك نبقى نتكلم ..

ولم تكذب سارة خبرًا، صحت مبكرة، و اتمت ارتداء ملابسها، وطلبت من عمر توصيلها في طريقه، حتى تبرهن له على قرب المدرسة، وسهولة ان يوصلهما سويا فى الصباح .. وفي المدرسة لم تذكر موضوع ملف يحيى و لا التقديم له، بل ركزت فقط على انها اتيه للتدريس، واحضرت معها سيرتها الذاتيه واوراقها ..
وعندما قابلتها المسئوله عن التعيينات، سالتها ان كانت تحمل مؤهلا تربويا، فاجابت سارة بالنفي، وإن كان ذكاءها قد اسعفها لتقول انها ستقوم بعمل تلك الدبلومة بمجرد بداية الكورسات بالجامعة، وكلمتها السيدة باللغة الانجليزية التي كانت سارة لحسن الحظ تتقنها تماما، فردت عليها بثقه .. ثم طلبت منها اعداد درس لتشرحه امام لجنه من المدرسين غداً، ليقيموا قدرتها على الشرح و التوصيل ..
اسقط في يد سارة، فهي لا تعلم شيئا عن تحضير الدروس ولا كيفية توصيل المعلومه بشكل سليم .. "انتي الظاهر غلطتى يا سارة ولا ايييه؟؟ يا فضيحتي قدامك يا عمر" .. ولكن بعد تفكير سريع، تذكرت ان ابنة خالتها اماني مدرسة في مدرسة خاصة منذ سنوات، فاتصلت بها على المحمول، وسالتها ان كانت تستطيع مساعدتها .. وردت ابنة خالتها بالايجاب، واخبرتها انها ممكن ان تمر بها الان لو ارادت .. استاذنت سارة من زوجها و توجهت من فورها الى ابنة خالتها ..
وهناك عند اماني، اكتشفت ان هناك ما يسمى دفتر التحضير، والوسائل المساعده، ووسائل الايضاح، واهداف الحصه، واهداف الدرس .. وكانت امانى مخلصة جدا في مساعدتها لدرجه انها امدتها ببعض الوسائل الخاصه بها، وطلبت اليها استخدامها في المقابله غدا .. كانت وسائل الايضاح عباره عن لوح وبري يثبت عليه كروت ملونه ليتعلم منها الاطفال الكلمات و الحروف ..
وطلبت اماني من سارة ان تشرح لها درسا، ففعلت، واندهشت اماني من قدرة سارة الطبيعيه على التوصيل والشرح ..
امانى: يا بنتي انتي مدرسة بالغريزة .. طول عمرك ذكيه والله، الموضوع مش محتاج اكتر من شوية ذكاء .. والاكتر منه كياسه في التعامل مع الطفل وانك تخليه يحس انك بتقولي حاجه لذيذه و ينبسط بيها ..
سارة: يعني فكرك لو شرحت كده بكره في المدرسه انجح؟ و ممكن يقبلوني؟
امانى: طبعاُ، وانت بتتكلمي انجليش هايل، ودى اهم حاجه، كل اللي بعد كده حاتكتسبيه بالخبره ..
سارة: ادعيلي يا اماني، احسن الموضوع ده حايتوقف عليه حاجات كتير اوي ..
امانى: طبعا حادعيلك، ومستنيه منك تليفون بكره ان شاء الله بعد ما تخلصي المقابلة ..

علم عمر بما فعلت سارة في يومها، واشار عليها باستخدام الانترنت للبحث عن وسائل ايضاح اكثر تاثيرا، خاصة ان الطفل في هذا العصر اتسعت مداركه بشكل مذهل، مما جعل التاثير عليه امراً صعباً .. اخذت سارة بالنصيحة، وجلست مده تستخدم محركات البحث، وقامت بطباعة بعض الصور، ثم ذهبت لغرفة يحيى وقامت بجمع بعض الحيوانات الصغيره البلاستيكيه وثبتت فيها قطع صغيره من اللباد لتصبح قابله للالتصاق باللوحه الوبريه .. واعدت الدرس باستخدام الورد وطبعته.
واتصلت بوالدتها واخاها و اسراء وزوجها ليحضروا للسهر معهم، واجلستهم جميعا بالاضافة الى حماتها وعمر ومعهم بعض اللب والسوداني والمسليات كي يوافقوا ان تشرح لهم الدرس الذي ستشرحه غدا كعرض للمدرسين .. كان عمر في غاية السعاده بها اذ ابدعت من عندها عرض شرائح على الكومبيوتر، (باستخدام باوربوينت) قررت ان تبهر به لجنة الاختبار غدا ..
لقد سخـّرت سارة كل معرفتها بالحاسب لخدمة هدفها في الشرح وذلك ما جعل عمر يوافق على اعارتها الحاسب المحمول الخاص به (اللاب توب) ليساعدها فى هذا العرض ..
و داعبها احمد: لو كانوا بيدرسولنا كده و احنا صغيرين، كان زماننا دخلنا هندسه والله .. استغرق الجميع في الضحك لان احمد بالفعل طالب في كلية الهندسة ..
اما اسراء فاثنت عليها بشده، و ذكرتها بايام كانت تذاكر لها وهي طفله وكيف كان لها اسلوبا لطيفا في الشرح يثير الخيال، و يبعد الملل ..
ونامت سارة ليلتها و هى تدعو الله ان يوفقها، و تطلب من زوجها الدعاء لها بالتوفيق ..

توجهت سارة للمدرسه في الصباح، وجاءت لحظة الحسم، فبعد انتظار طويل جاء دور سارة، التي طلبت توصيل جهاز الحاسب الخاص بها بشاشة العرض بالقاعه، وخيم على الحضور الصمت في انتظار بدء الشرح ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Facebook Twitter Favorites More