ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة الثامنة عشرة

بدات سارة الشرح بصوت مرتعش، لم تكن تدري ان الموضوع ممكن ان يكون صعبا و محرجا بهذه الطريقة، فخرج صوتها ضعيفا في البداية، ثم ما لبثت ان لمحت استحسانا في اعينهم فرفعت صوتها قليلا وقررت ان تنسى وجودهم وتندمج في الشرح بكل كيانها .. واستخدمت اللوحة الوبرية والوسائل التي معها، وبينما هي مندمجة تماما، اذا بصوت احد المدرسات الجالسات تسالها: انتي فاكرة نفسك حاتقدري كل حصة تعملي كده في الحقيقة؟ يعني في الحصص العادية؟
فردت سارة بادب: وليه لا، اللي اعرفه ان الطفل لما يشوف الحاجة قصادة بتدخل دماغة اكتر من مجرد اني اقول اسمها بس ..
المدرسه: بس انتي حاتكوني ملخومة في الكراسات والتصحيح ودفتر الدرجات وعدد العيال في الفصل اللي بيوصل اربعين .. هل شايفه ان اللي بتعملية ده حاجة براكتكال (عملية ) في مصر؟
سارة: ايه الفرق بين مصر وغير مصر، فصل وتلامذة ووقت الحصة هوه هوه في اي مكان، وعلى العموم انا هاحاول، وربنا يوفق ان شاء الله ..
اكملت سارة الشرح و قد اغاظتها هذة السيدة ..
ثم اندفع وكيل المدرسة: يا مس سارة انتي صوتك واطي اوي، احنا سامعين عشان ساكتين، لكن في الفصل لازم تعلي صوتك على صوت الولاد عشان يقتنعوا باللي بتقوليه ..
ردت سارة وقد بدات تتضايق من المقاطعة: ماهو المفروض يا فندم يكونوا في الفصل ساكتين برضة، عشان اقدر اشتغل، وعلو الصوت عمرة ما كان وسيلة اقناع، و بعدين لو هما علوا صوتهم و انا عليت عليهم و كدة، حايبقى مولد مش فصل، وعموما زي ما حضرتك قلت انا باتكلم على قد اللي قاعدين خمسة افراد لكن في الفصل اكيد في كلام تاني .. واكملت سارة شرحها .. فانبرت مدرسةاخرى بعد قليل: حضرتك مديانا ظهرك وباصة للبورد، ودي مش طريقة، افرضي عيل مشي وساب الفصل دلوقتي، حاتحسي ازاي بيه؟ لازم تحاولي تبصي للولاد وتكتبي و انتي مدياهم وشك ..
سارة بنفاذ صبر: حاضر ان شاء الله احاو..
ثم سالت عن اذا ماكان تم توصيل اللاب توب الخاص بها بشاشة العرض ..
فاجابتها المديرة: لا مفيش داعي للكومبيوتر، انتي مش حاتستخدمية اساسا، احنا ما عندناش غير شاشة واحدة للمؤتمرات والضيوف بتوع المدرسة مش للطلبه، واحنا اكتفينا من حضرتك كدة يا مدام سارة وحانتصل بيكي ..
شكرتهم سارة بصوت مرتعش، وهي تحس بهزيمه داخلية بشعة، لم تكن تتوقع كل هذا المناخ العدائي لمجرد انها ارادت التجديد، ولم تذكر ملف يحيى ولا التحاقة بهذه المدرسة، اذ كان يكفي ان ترى اداريي ومدرسي هذة المدرسة لتحكم على مستواها التعليمي، وقالت لنفسها: انت حاتزة على نفسك ليه؟ دي مدرسة اي كلام، ده حتى كان مرتبها تلتمية جنية، مايجيش تمن المواصلات، الحمد لله على كل حال ..
حملت سارة حقيبتها حزينة وكانت تهم بالذهاب لمنزلها، لكن راودها خاطر مفاجىء، قررت الذهاب للمدرسة الاولى التي كانت قد قبلت يحيى، وسالتهم عن حاجتهم لمدرسات للمرحله الابتدائية فاجابت الموظفة انه الان يتم اختبار عدد منهن في القاعة المخصصة لذلك الغرض ..
لم تكن سارة قد قابلت مديرة المدرسة، لكنها حين راتها قابلتها بابتسامة وكلمتها بمنتهى اللطف وطلبت منها ان تملا طلب التحاق .. ملات سارة الطلب و وجدت فية اسئلة لم ترها من قبل فى اختبار المدرسةالسابقة، كان السؤال المحورى:
Why do you want to teach ?and what's your highest ambition?
وكانت اجابة سارة :
I would love to teach because teaching touches hearts، opens minds، and the look of appreciation and merit in my students eyes means the world for me .
My highest ambition is to become a facilitator and to make the process of learning as interesting as possible.
و طبعا كان مطلوب معرفة سنين الخبرة، فاجابت سارة انها تود ويشرفها ان تكتسب خبرتها من هذا المنشأ العريق ..
اعجبت المديرة بردود سارة على الاسئلة وطلبت اجراء مقابله لها وعرض درس لو كانت مستعدة، وردت سارة انها على اتم الاستعداد ..
وعلى عكس المدرسة السابقة، وجدت سارة المناخ مبشراً في هذا المكان، ولاحظت نظرات اعجاب من الجميع بما فيهم طاقم التدريس الموجود، واخذت بعضهن يدونن الملاحظات، وتضاعف الاعجاب حين قامت بعرض الكومبيوتر الخاص بها، والمحت الى ان طفل اليوم يقضي معظم وقتة امام الوسائل المسموعة المرئية سواء للتسلية او الثقافة، فلا يجب ان يكون اسلوب تعليمة جافا وعقيما بل يجب ان يرقى الى اساليب تسليتة وتثقيفه.
لم يبد اي من الجالسين ملاحظة واحدة طوال شرح سارة، وعندما انهت كلامها، قامت المديره بالتصفيق لها، مما حدا بجميع الجالسين الى التصفيق اعجابا بما بذلته من جهد ..
وقالت المديرة: مبروك يا سارة، انت ان شاء الله معانا خلاص، و ممكن نمضي العقد دلوقتي ..
فوجئت سارة و اندهشت من سرعة قبولهم لها وترددت قليلا لكونها لم تبلغ عمر بعد، ثم حسمت امرها وتوكلت على الله، وخاصة بعد ما ابلغتها المديره ان راتبها سيكون حوالي سبعمائة جنية اي ضعف المدرسة الاولى ..
دخلت سارة للموظفة المسئولة عن الحسابات قبل ان توقع العقد و سالتها على استحياء ..
سارة: لو لي اطفال عايزة ادخلهم المدرسة، ممكن اعرف ليهم خصم ولا ما لهمش؟
الموظفة: طبعا ليهم خصم، بس لازم يخوضوا الاختبارات زيهم زي غيرهم الاول ..
سارة: هو يحيى ابني عمل كل الاختبارات فعلا وقبل فى المدرسة، وملفه موجود عندكم بس احب اعرف نسبة الخصم ..
الموظفة: بصي يا ستي، مصاريف التسجيل حاتكون الفين جنية بدل خمسة وممكن تقسطيهم من مرتبك لو حبيتي، اما المصاريف عليها خصم اربعين فى المية، يعني حاتكون حوالي تلات الاف وستميت جنية، وانتي كمدرسة من حقك باص المدرسة يعدي ياخدك صباحا لو حبيتي، ويروحك كمان .. حست سارة ساعتها باحساس ابو تريكة لما بيجيب جون، ولولا ان الغرفة كان بها رجالا، لسجدت على ارض الملعب في لحظتها..
خرجت من المدرسة الرائعة وهي في غاية السعادة، و عيناها لاتكفان عن الدمع من شدة سعادتها، و قررت ان تذهب لمنزلها مشيا من شدة سعادتها وقالت تحدث نفسها:
يا رب لو حبيت اعد نعمك عليّ لا احصيها، كان كل املي في المدرسة التعبانة الاولانية، وفقتني للاحسن منها ميت مرة، وبمرتب اكتر، وفوق كدة وكدة، حبة قلبي يحيى حايخش المدرسة اللي اتمنيتها، قد اية يارب انت عالم بحالي وغني عن سؤالي .. الحمد لله اني اطعتك يا عمر و ما زعقتش ولا ركبت راسي، كان زماني جنيت على ابني وعلى نفسي، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقة من حيث لا يحتسب..
وبينما سارة في تاملاتها و دعاءها، وجدت محل صائغ قريب، و بدون تردد، دخلت و باعت اسورة من اساورها الذهبية، و اخذت مبلغا محترما، و خرجت من عند الصائغ الى مركز طبي ملاصق له، فوجدت سيدة عجوز فقيرة و معها ابنتها على موعد مع الطبيب، و طفل مريض على كتف امه، و بنت صغيرة موضوعة على جهاز غسل الكلى .. قامت بكل ما قدرها الله عليه، و لم يتبق معها الا ثمن بعض الحلوى و تورتة صغيرة اشترتها في طريق عودتها للمنزل .. وفور وصولها، فوجئت بمريم تجري لاستقبالها بالمشاية وحماتها تجري مسرعة ملهوفة، انتي كنتي فين يا سارة يا بنتي، احنا اتخضينا عليكي، ما بترديش على تليفونك لية؟
حملت سارة ابتنها وقبلتها وهي تعتذر لحماتها و تذكرت انها في غمار احداث اليوم نسيت ان تفتح الجرس الخاص بمحمولها بعد انتهاء المقابلة الاولى، لذلك وجدت حوالي عشرين مكالمة من عمر فاسرعت تتصل به ..
سارة: حبيبي عمر، ابو عيالي، مهما قلت لك مش حاتصدق ..
عمر: ايه يا سارة اللي حصل؟ انا قلقت عليكي موت..
سارة: مش حاينفع الا لما تيجي انا مستنياك ..
وعندما عاد عمر كانت سارة قد غيرت ملابسها و حضرت المائده مع حماتها واعطت كل من مريم و يحيى حماما .. دخل عمر فتعلقت سارة برقبتة مسابقة ابنتها في ذلك، ثم اطلقت سراحة ليبدا دور مريم ويحيى، ثم حكت ما حدث اثناء يومها على مائدة الغداء ..
عمر: بس انتي ما قلتليش يا سارة انك رايحة المدرسة التانية دي.
سارة: معلش يا عمر والله انا كنت طالعة منهارة وخفت يحصل نفس اللي حصل، فقلت اداري على خيبتي لحد ما اشوف حانرسي على اية ..
عمر: خيبتك، مين دي اللي خايبة؟ ده انتي ست الستات، انا مش مصدق ان يحيى حايخش المدرسة اللي كان نفسك فيها من البداية .. انت عارفة يا سارة انا بجد حاسس ان بينك وبين ربنا عمار ..
سارة: عمري ما دعيتة وظني خاب ابداً، الحمد لله ..
قالت حماتها وقد اغاظها اطراء عمر لسارة: اية دة؟ يعني موضوع الشغل ده بجد؟ ده انا قلت نسيبك كدة تجربي حظك، ده احنا ما صدقنا بطلتي شغل الكومبيوتر ده وتلتفتي لبيتك وجوزك .. انت فاكرة اني صحتي حاتستحمل ده كله؟ لا انسوا .. و بعدين مريم بنتك بقت متعبة وبتغلبني وانا ماقدرش اشيل مسئوليتها لوحدي ابدا ... و بعدين فرضا واحدة من بناتى حبت اني اروح ازورها، ارد اقول ايه يعني؟ معلش اصلي قاعدة بمريم عشان سارة هانم في الشغل؟ وحايدوكي كام يعنى يا ست سارة في الشغل ده؟
ردت سارة و قد صدمت من رد فعل حماتها: مش حكاية فلوس يا ماما .. اولا دي اكتر مهنة انسانية وليها اجر كبير عند الله، ثانيا الخصم اللي حايتعمل ليحيى في المصاريف والتبرع، وغير اني حاقدر اودي عمر كل يوم بباص المدرسة وارجعة تاني .. يعني توفير من كل ناحية، والمرتب مش وحش برضة، ده حوالي سبعميت جنيه ..
ام عمر: سبعميت جنيه و لا اكتر انا ماليش دعوة .. اعملي حسابك اني مش شغالة في البيت هنا، و اني ممكن في لحظة تلاقيني سافرت لبنت من البنات سواء دينا في الخليج او حتى داليا في امريكا .. عشان هي كمان عماله تتحايل عليّا من فترة .. يعني ما ترتبوش حياتكم على اساس وجودي معاكم ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Facebook Twitter Favorites More