ا[الجزء الرابع]ا - الحلقة السادسة عشرة

قالت سارة:
دخلت على احمد اخي، فوجدته سارحا، لدرجة انه لم يلحظ دخولي .. ثم اكتشفت ان سماعة الموبايل فى اذنه و ناديت: احمد هيه، انت فين؟
احمد: انا موجود اهوه، انتي دخلت امتى؟
سارة: لسه حالا .. بس انت من ساعة زيارة مروة ومامتها ما اتكلمتش ولا كلمه ليه؟
احمد: صحيح، ايه رايك في مروه؟
سارة: الحقيقه زي العسل، و تدخل القلب في ثواني .. ربنا يكتب لكم الخير ياخويا يا رب .. وانا اتكلمت مع ماما، و هي موافقة، بس رايها نستنى بس السنة دي لما تخلصوا الكليه، عشان يعني ما نروحش لاهلها نقولهم ده طالب، نقول الباشمهندس عايز يخطب بنتكم ..
احمد: صح، انا شايف كده برضه .. و اظن هي لو بتحبني فعلا، ممكن تصبر السنه دي .. و لو اتقدملها حد، و اضح ان مامتها ست متفهمه، ومش حاتضغط عليها ..
ياللا بقة النهارده اخر يوم في مارينا، مش حاتلبسي المايوه السبعتاشر قطعه بتاعك عشان تنزلى الميه؟
سارة: صحيح ايام عدت هوا .. و الله يا احمد الفكره مش في مارينا، الفكره اننا لاول مر ه من زمان احنا متجمعين مع بعض .. احسن حاجه لمـّة العيله، حتى لو المكان ضيق .. تخيل لو كل واحد نازل في شاليه لوحده ما كناش حاننبسط كده، صح؟
احمد: هاهاه ليكي حق طبعا، مانتي ليكي حته تمليك تنامي فيها .. لكن انا لازم استنى لما ماما تصحى بدري من النوم عشان اغرز نفسى مكانها بارت تايم يعني .. هاهاهاها .. بس صحيح عندك حق، و الله احلى ايام، ان شاء الله تتكرر تاني ..
سارة: اه بس مش مارينا الله يرضى عليك .. فاكر لما خدتنا القريه اللي جنب مارينا علطول دى؟ و الله حلوه، و اسعارها ربع مارينا .. واللي عايز بقه قهاوي ولا كرة قدم يبقى يدخل مارينا بالليل يلعب كوره ولا يقعد ع القهوه زي ماهو عايز ..

ثم دخل عمر و طلب منهم الاسراع في الاستعداد لاخر نزهه في البحر ..

قالت سارة:
اوحش حاجه في المصيف انه بيخلص، ماما بتقول انه ايام اجدادنا كانت الناس بتصيف الصيف كله، يعني تلاتة اشهر في اسكندريه مثلا، ايه الفضا ده؟ او على الاقل شهر يعني للي ما يقدرش ع الصيف كله .. طبعا لو الواحد قعد في مارينا شهر ممكن يروح بيتهم بالمايوه، عشان حايكون باع هدومه قبل ما يمشى .. المهم اقدر احفظ يحيى كام كلمه ..
قول يا يحيى: بورتو مارينا .. بنانا بوت .. بيتش باجي .. سينابون ..
ما ان يهم يحيى بالكلام حتى يقاطعه احمد: قول يا بني: صيفنا في عين الصيره .. امي بتعملي شاندوشتات جبنه اسطمبولي .. لعبتى المفضله البلي ..
فيثيرني و يغيظني لكنني لا اتمالك نفسي من الضحك قائله: حرام عليك يا احمد، سيبه يحفظ له كلمتين .. حيستجوبوه في المدرسه هاهاهاها ..

وفى طريق العوده كانت الوجوه مختلفه تماما عنها فى طريق الذهاب، وجوه مسمره لفحتها الشمس، و ظهر عليها الملل و الحزن لانتهاء الاجازه .. لكن كل الاوقات تنتهي، الحلوة والمرة على حد سواء، وتبقى ذكراها فقط في النفس .. ولقد حملت لي هذه الرحله اجمل واغلى الذكريات.

قال عمر:
بعد العوده، بدات سارة تكثف جهودها فى التقديم للمدراس، وكانت العديد منها قد اغلقت باب القبول بالفعل، مما اورثها الكثير من الضيق، وكانت تدور دورتها كل يوم على عدد من المدارس، تترك اوراق يحيى .. والمفاجأه التي لم اكن اعمل لها حسابا ان كل مدرسه يتم التقديم فيها، ندفع مبلغا يتراوح بين مائة و ثلاثمائة جنيه لمجرد ملء الاستمارات، او السي في، و لو لم يتم قبول الطفل .. راحت عليك الفلوس يا خفيف، يعني انا لو صاحب مدرسو ممكن اقضيها استمارات بس، واعيش ملك ..
و بعدين يعملوا امتحانات للولد، حيث يدخل غرفه مغلقة، و يتم استجوابه بدقة شديدة، و الله انا خايف يكونوا بيحطوا في وشه لمبه كبيره كده زي المخابرات، او بيغرقوا وشه في جردل الميه عشان يعترف .. حبيبي يا بني، كان مستخبيلك فين الغلب ده؟
الاصعب من كده وضع سارة بعد كل زياره للمدارس، تفضل قاعده جنب التليفون، زي ما يكون يحيى مرشح لوزارة المراجيح ..

قالت سارة:
لا خلاص اعصابي تعبت، انا خايفه يكون ابني فيه عيب عشان كده ما فيش مدرسة ردت عليّ لحد دلوقتي .. يمكن عشان كتبنا في الاستماره ان عمر خريج مدرسه عربى؟ ليكون ما ردش ع الميس لما سالته ع الالوان؟ مع اني محفظهاله، وكمان وديته مارينا .. اعمل ايه تاني يا ربي، ربنا يستر وينقبل في اي مدرسه .. منهم انا خلاااص تعبت ..
عدت ايام زى ما يكون سنين لحد ما مدرسه منهم الحمد لله اتصلت بينا وقالت لنا انه تم القبول .. مدرسه جميلة وفيها حمام سباحة وكمان قريبة من البيت .. يعني ممكن نوفر الباص .. احمدك يا رب ..

قال عمر:
يا نهار ابيض .. مصاريف المدرسة ستلاف جنيه في السنة غير شامل الباص واللبس والكتب والمايوه؟
سارة: يا سيدي الحمد لله الواد عنده مايوه ..
عمر: يا سارة انتي عارفه ان وضعي في الشركه مؤقت عشان دي شركة اجنبية .. و ممكن في اي يوم المشاريع تخلص والاقي نفسي في الشارع زي ما كان حايحصل .. اضمن منين ساعتها اني اعرف ادفعله؟
سارة: خلينا نتامل خير في وجه الله، و ان شاء الله ربنا مش حايخذلنا ..
عمر: بالذمه كي جي وان دي حايتعلم فيها ايييه ده؟ انا حاجي معاكى يا سارة بس انا مش مقتنع، يعني مش حاسس ان الموضوع يسوى كل المبالغ دي .. و تذكرى ان ربنا حيسأل كل واحد عن ماله فيم اكتسبه، و كيف انفقه ..
ودخل عمر و سارة المدرسة و قابلتهم سيدة في غاية الاناقة والاستعلاء .. ابلغتهم انها المسئولة عن العلاقات العامة ..
السيدة: اهلا يا فندم ومبروك لنجلكم القبول في مدرستنا ..
عمر: الله يبارك فيكى ممكن نعرف يعني مطلوب مننا ايه؟
السيده: شهادة الميلاد بالكومبيوتر، وست صور للطفل، وخمسة الاف جنيه ..
عمر: هوه احنا حاندفع المصاريف من دلوقت؟ ده احنا لسه في شهر سبعة ..
السيدة: لا يا فندم دي مصاريف تسجيل (Registration Fees) .. تدفع مره واحده فقط عند القبول ..
عمر: تسجيل ايه يا مدام؟ هوه انتو حاتسجلو الولد على دي في دي؟؟
السيده: لا يا فندم، غيرنا بياخد تبرع بالاف لكن احنا بس بناخد مصاريف تسجيل ..

نظر عمر لزوجته نظرة فهمتها وارخت عينيها في الارض، ثم اكمل كلامه مع السيدة المسئولة ..
السيدة: حضرتك كمان لازم تسدد القسط الاول في خلال عشر ايام من النهارده ..
عمر: يا فندم لسه شهرين ونص على بداية الدراسة ..
السيدة: ده القسط الاول بس، لكن الثاني لسه في شهر عشرة ..
عمر: طيب ممكن اعرف قيمة الاقساط دي؟
السيده: القسط الاول خمسة الاف وخمسميت جنيه .. والثاني خمسمية جنيه .. وفي زياده سنويه ثابتة عشرين في المية للمصاريف ..
عمر: طيب يا فندم اصل الحاجات دي كلها ما كانتش مكتوبة فى النشرة اللي في الرسبشن عندكم .. فانا محتاج اخد وقت عشان افكر واعرف حاعمل ايه ..

كادت الدموع تطفر من عيني سارة وهي تعتذر للسيدة وتطلب منها ابقاء مكان يحيى محجوزا لمدة يومين لا غير، وهي تجرى لتلحق بعمر الذي انصرف غاضبا.

وفي طريق العوده كان عمر ثائراً حانقاً، ولاول مره منذ عرف سارة، عندما رآى دموعها لم يهدأ و لم يتعاطف معها، لكنه ازداد حنقا ..
عمر: اقدر افهم بتعيطي ليه دلوقتي؟ انت مش فاهمه يا سارة؟ مدرسه بالمنظر ده، حيهرونا مصاريف طول السنة .. مانا كمان ليا اصحاب و سالتهم، الطفل بيتكلف كل اسبوع من خمسين لميت جنيه .. مرة رحلة، و مرة حفلة، و مرة سيرك في المدرسة، و طبعا لو دخلناه، يبقى لازم نخليه زيه زي زمايله، و الا يتعقد ..! وبعدين انت ناسيه ان عندنا لسه بنت لسه وراه عايزه تتعلم هيا كمان لما تكبر؟ ولا يعني نعلم يحيى وهوه يقول لاخته وخلاص؟ ولا ابيع هدومى انا بقه عشان العيال تتعلم؟
سارة من بين دموعها: انا عمري ما عارضتك في حاجه يا عمر .. بس كل المدارس كده، وكلهم بياخدو تبرعات، وانا على استعداد ابيع جزء من دهبي عشان يحيى يدخل المدرسة .. عشان خاطرى يا عمر، انا كل امنيتي اوفر لابني احسن تعليم ..
عمر: طيب احسن باحسن بقه ليه ما نوديهوش الشويفات او الامريكية؟ يعني بتاع تلاتين اربعين الف في السنه .. يا سارة، لا يكلف الله نفسا الا وسعها ..
سارة مقاطعة: انا ما قلتش تلاتين ولا اربعين، انت قلت بنفسك الا وسعها، و انا عارفه انك تقدر، بس مش عايز تفهم اهمية ان الولد يروح مدرسه حلوه يحبها، وينبسط فيها مش يتعذب ..
عمر: يا سلام، امال لو كنت باقول نوديه مدرسة حكومية بقه كنت عملتي ايه؟ رغم انى اتعلمت فى مدارس حكومية، و طلعت مهندس زي الفل اهوه .. والعقد اللي عندك دي عشان خريجة لغات مالهاش اي داعي .. عملتي ايه باللغات يا ستي؟ وكنتي بتاخدي كام يعني لما كنتي بتشتغلي؟
سارة: مدرسة حكومية؟!! قول بقه كده، بالذمه مين اللي عنده عقد؟ الواحد بيبقى عايز ابنه يكون احسن منه، مش يحقد عليه، للدرجة دي ابنك يهون عليك؟ عايز تدخله المدرسه مع ابن عم رجب البواب ..
عمر: طيب يمين بالله يا سارة لو ما سكتي و قفلتي ع الموضوع ده دلوقتي لانا مدخلة مدرسة حكومية، وعربي كمان، وحاطلب يقعد جنب الواد مسعد ابن رجب بالذات بقه .. ايه رايك؟

______________________________
لا أدري إن كانت في سارة نزعة كِبرٍ أم أنـّني لم أفهم المغزى من استهجانها بالقول "عايز تدخله المدرسه مع ابن عم رجب البواب" .. وهل كون الإنسان فقيراً يعني أن يصبح مستقذراُ نـُبعدُ أولادنا عنه؟!!
"مشرف الصفحة"

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Facebook Twitter Favorites More